من إدارة عامة إلى إدارة تنموية

نشر في 09-04-2025
آخر تحديث 08-04-2025 | 17:35
 د. محمد الدويهيس

إن مرحلة الإصلاح والتغيير والتطوير تتطلَّب أن يكون الجهاز الحكومي فاعلاً، وأن تكون لديه رؤية استراتيجية واضحة ومحددة ومتفق عليها، وأن يتحوَّل من إدارة عامة إلى إدارة تنموية تتواءم مع رؤية دولة الكويت 2035، وأن يكون جهازاً إدارياً على قدر كبير من التأهيل والتدريب والحرفية الإدارية، قادراً على إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي للدولة، ليتناسب مع المتغيِّرات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والقانونية، ونظم الاتصالات والمواصلات الحديثة.

وعليه، فإن إصلاح الممارسات الإدارية والقضاء على البيروقراطية الجامدة أصبحا مطلبين لتعزيز معايير الشفافية والمساءلة الرقابية، وزيادة كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي، بهدف تكريس وتعزيز آليات الإدارة الفعَّالة للتنمية، وما يرتبط بها من تأكيد وغرس لمفاهيم الشفافية والمساءلة والنزاهة.

ومن أجل تحقيق الأهداف والسياسات والبرامج التنموية، فإن الأمر يتطلَّب تفعيل الإدارة الحكومية، من خلال التنسيق بين أنشطة التخطيط والإحصاء والمعلومات، التي تلعب دوراً مهماً وفاعلاً في كفاءة وفاعلية عملية صُنع واتخاذ القرارات الإدارية الاستراتيجية.

إن عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة تحتاج إلى إدارة فعَّالة وقيادة إدارية ذات فكر ورؤية استراتيجية واضحة يمكن من خلالها إعادة ترتيب وتنظيم وإدارة الجهاز الإداري للدولة بكفاءة وفاعلية عاليتين، بحيث يُصبح هذا الجهاز مرناً ورشيقاً يستطيع أن يتأقلم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويتكيَّف مع الأحداث والمتغيِّرات التكنولوجية بشكل سريع، وبقدر كبير من المهنية والحرفية.

إن أحد الأهداف الرئيسية للخطط الاستراتيجية، هو وجود إدارة حكومية فاعلة Efficient &Effective Management، حيث إن وجود جهاز إداري فعَّال ومرن يُسهم في تعظيم الاستثمار والاستخدام الأمثل للموارد البشرية والاقتصادية والوسائل التكنولوجية، لتقديم خدمات ذات جودة عالية ومتميزة ترفع من درجة رضا المواطنين، وتحقق مزيداً من الشفافية والمهنية الوظيفية.

ولكي تتوافر هذه «الإدارة الفاعلة والناجحة» هناك متطلبات كثيرة، منها على سبيل المثال، تحديد الرؤية الاستراتيجية (Strategic Vision)، واتخاذ التخطيط الاستراتيجي (Strategic Planning) منهجاً في إدارة المؤسسات والأجهزة الحكومية والمدنية، وكذلك تقييم النماذج التنموية العالمية، واختيار النموذج التنموي المناسب، إضافة إلى التنسيق والمفاضلة بين المداخل الإدارية المعاصرة، مثل: إدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management)، وإعادة الهندسة (Reengineering)، وإعادة الهيكلة (Restructuring)، وإعادة اكتشاف دور الحكومة (Restructuring and Reinventing Government)، وإعادة تصميم دور الدولة، والحوكمة (From Government to Governance)، لتسهيل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورفع كفاءة الإدارة الحكومية (Doing more with less)، وزيادة فاعليتها، من خلال ترشيق الجهاز الحكومي (Downsizing)، والتحوُّل نحو الإدارة بالعميل (Customer focus and Customer driven)، وتمكين الإدارة الدنيا والموظفين (Empowerment) في عصر التحوُّل الرقمي (Digital Transformation).

وأخيراً، وليس آخراً، القدرة على اتخاذ القرار المناسب بالوقت المناسب، وفي المكان المناسب، وتوفير القائد (leader)، والقيادات الإدارية المتميزة لإدارة التغيير (Change Management).

لذا، فإن هناك حاجة مُلحَّة وضرورية لوجود نظام مؤسسـي حكومي كفء وفعَّال، يكون أحـد المحـاور والأعمدة الرئيسـية للإدارة الاستراتيجية، بحيث يصبح الجهـاز الإداري الحكومـي مـرناً وفعَّالاً، ويعظم من اسـتخدام واستثمار موارده البشرية والمالية، وقادراً على استثمار واسـتخدام الوسـائل التكنولوجيـة الحديثة والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) لتقديـم خدمات حكومية عالية الجودة، وباسـتجابة عاليـة، ويستهدف رفـع درجـة رضـا المواطن، ويتسـم بالمهنيـة والشـفافية، ويخضع للرقابة والمسـاءلة، ويحقق التنمية المستدامة.

نعم، لقد كتبت العديد من المقالات في مجال الإدارة الحكومية وإدارة التغيير والتطوير، ويجب أن تتوافر النية الصادقة والإدارة الفاعلة والدعم من المواطنين والمقيمين وكل مؤسسات المجتمع المدني والسُّلطتين التنفيذية والتشريعية، والمتابعة والتقييم والمساءلة والمحاسبة والتقويم من الجهات ذات العلاقة، وإرساء مبادئ العقاب والثواب والحوكمة والعدل والمساواة والشفافية، ومكافحة الفساد، وتكافؤ الفرص، إذا كُنا فعلاً جادين في إيجاد «وطن عادل وآمن ومستدام».

ودمتم سالمين.

back to top