في المرمى: وداعاً بوحسن

نشر في 06-04-2025
آخر تحديث 05-04-2025 | 18:32
 عبدالكريم الشمالي

ترددت كثيراً قبل أن أهم بالكتابة، فكل صفحات أوراق الأرض لو امتلأت حروفاً وكلمات كي تعبر فلن تكفي، وما سأكتبه سيشكل خروجاً عن المألوف، لذلك فضلت أن أبقي مشاعري تجاه عباس الشمالي الوالد والإنسان بعيدة عن العامة، لكنني أحببت أن أشارك القارئ بلمحات عنك وأنت ذلك الرجل البسيط الذي قضى حياته وهو تشغله الرياضة ويسكنه النادي العربي ولونه الأخضر بكل التفاصيل إلى الدرجة التي تضحكنا وكنا نشعر ونحن أولادك أن اهتمامك بالنادي وحبك له يعادل اهتمامك ببيتك بل يفوقه في أحيان كثيرة، إلى الدرجة التي جعلت من حياتنا معك خضراء فطبقت علينا المثل «دربك خضر» لتصبح معك يا «بوحسن» حياتنا خضراء فعلاً وقولاً.

لم يكن عشقك للعربي بغية مصلحة، أو تزلفاً بل كان نابعاً من قلب رجل مخلص محب بدأ قصته مع هذا الكيان منذ التأسيس واستمر معه في كل المراحل، ولم يمنعه شيء طوال حياته في الحرص على قضاء الوقت الأطول من اليوم في جنبات هذا الصرح حتى بلغت من العمر عتياً، وفقدت الأصدقاء ورفقاء الدرب، فصار الذهاب إلى النادي يشعرك بالألم ويذكرك بهم، ورغم ذلك كنت تسأل وتحن إلى ذلك المكان في كل لحظة.

كثيرة هي الذكريات والمواقف التي لا يقدرها ولا يعرف قيمتها إلا من يعرف كيف يحب «بوحسن» العربي ولونه، فالأخضر سكن وسطنا داخل البيت، وطغى على كل شيء ولون سواه حتى سجادة غرفتك وتلفون المنزل لم يكن لونهما سوى الأخضر، وسأظل أتذكر كيف رفضت يوماً ما أن تشتري لي البدلة الرياضية «التريننغ سوت» التي طلبتها المدرسة لأن البائع قال لك لا يوجد بمقاسي غير اللون الأصفر فصرخت به قائلاً «إن شاء الله عمره ما لبس»، وأخذتني من يدي لنخرج من المحل، وعندما انضممت إلى فريق اليد في نادي كاظمة ووافقت مرغماً حتى لا «تزعلني» انتهزت أول الفرص بعد أن تراجعت درجاتي الدراسية بسبب الانشغال في التدريبات ومنعتني من الذهاب إلى النادي وقلت «بعد لو تلعب بالعربي كنا سكتنا».

قد يكون ما سأسرد مضحكاً لكنه بالتأكيد يدل على علاقة غير عادية كانت تجمعك مع هذا النادي فهل هناك رجل وفي أول لحظات صباح الغزو العراقي الغاشم والخطر يحدق بكل شيء لا يهتم أكثر من الاتصال بعمال النادي وحارسه لكي يحثهم على حماية موجودات النادي وأخذ الحيطة بعدم السماح لأحد بالدخول إلى منشآته، وتكرر الموقف في يوم التحرير فكان أول مشوار لك ومكان تقصده في فجر ذلك اليوم هو النادي العربي بصحبة رفيق دربك المرحوم فيصل بن عيسى، تلك مواقف لا تنسى، وأيام ستبقى في الذاكرة، وسيبقى كل ركن في مقر النادي يذكر لك بصمة، بدءاً من الغرفة تحت المدرج التي تتجمع فيها مع بقية الرفقاء يوم الجمعة للغداء أو موقف السيارة التي لم يتغير حتى توقفت عن الذهاب إلى النادي أو زاوية المدرج في الدرجة الثانية التي كنت تسترق منها النظر بسرعة على المباريات دون أن تكملها بسبب الأعصاب.

لن أستطيع أن أعدد كل المواقف أو الذكريات، لكن يكفيني ما يذكر عنك ممن عرفوك أو عاشروك في النادي العربي أو الوسط الرياضي بشكل عام. أما رحيلك فسيبقى جرحاً غائراً في قلوبنا ما حيينا، ولكننا نؤمن بأن لا راد لقضاء الله، ولكل أجل كتاب، فرحمك الله يا والدي وملهمي، ولا نقول إلا «إنا لله وإنا إليه راجعون».

back to top