في ظلال الإسلام: تبعات الإسلام دين الدولة وتبعات إلغائه في تونس

نشر في 06-04-2025
آخر تحديث 05-04-2025 | 19:51
 المستشار شفيق إمام

الدين والدولة

كتبت من قبل، وعلى صفحات «الجريدة»، أن الدين علاقة بين الإنسان الشخص الطبيعي وبين الله سبحانه وتعالى، وأن الدولة شخص اعتباري، لا تربطها هذه العلاقة التي تربط الإنسان بالمولى عز وجل.

وكنت مقتنعاً بما أكتب، مؤمناً بصوابه، كباحث دستوري أغوص في أغوار الدساتير المقارنة الحديثة، وأعترف بأني كنت فيما سطرته من رأي في هذا الموضوع مدفوعاً إلى هذا الرأي، بما أفرزته العصور الوسطى من ظلمات الكنيسة، عندما كانت تمارس سلطتها الدينية على ملوك هذه العصور، وما كان يمارسه هؤلاء من ظلم باسم التفويض الإلهي، وما كانت عليه الإمبراطورية العثمانية التي اتسع ملكها وتطاول بنيانها حتى تغلغلت في أحشاء أوروبا، بعد أن استحوذت على آسيا الصغرى وجزء كبير من إفريقيا، واتسع تبعاً لذلك وتطاول استبدادها، على المسلمين أنفسهم، قتلاً وتشريداً وتنكيلاً، بأبشع صور التعذيب التي عرفتها البشرية، باسم الإسلام وهو بريء من استبدادها، وسقطت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وأصبح الوطن العربي والإسلامي لقمة سائغة للاحتلال البريطاني والفرنسي، والانتداب البريطاني على فلسطين، وإقامة دولة إسرائيل خنجراً في خاصرة الأمة العربية.

مسمى لم يبتدعه المسلمون

وإذا كان الغربيون المسيحيون يصفون الدول الإسلامية، التي تحمل هذا المسمى بالدول الثيواقراطية، فإن الإمبراطور «تيودوسيوس» قد اعترف بالمسيحية ديناً للإمبراطورية الرومانية، بعد توقف اضطهاد الرومان للمسيحيين الذي بدأ منذ عصر أغسطس، وقتل نيرون لجميع المسيحيين في روما بعد أن نسب إليهم حريق روما الكبير، والذي كان هو الذي أضرمه ليبني قصراً كبيراً له في روما، ولم يتوقف اضطهاد المسيحيين إلا أيام سلفه قسطنطين بموجب براءة ميلانو عام 313م.

ولكنني أدركت بعد هذا العمر الطويل وبعد إجادة قراءة نظام الحكم في الإسلام، وإحسان فهمه، وتوفيق الله لي في استنباط الصواب منه، أن هذا المسمى «الإسلام دين الدولة»، هو أصل نشأة الدولة في عصر النبوة، وفي عصر الخلافة الراشدة، لأنه كان من بين أهداف هذه الدولة نشر الإسلام.

وهو هدف يلازم الدول الإسلامية الحديثة، باعتباره الهدف الأعظم شأناً والأشرف ذكراً والأجل خطراً، من بين كل الأهداف التي تسعى إليها الدول في إطار النظام العالمي... والعولمة التي تقوم على حرية تداول المعلومات والأفكار.

وقد أثار إلغاء مبدأ الإسلام دين الدولة في تونس، من الدستور الذي وضعه الرئيس التونسي قيس سعيد جدلاً واسعاً في المجتمعات الإسلامية، التي تعتبر النص في الدستور على هذا المبدأ تعبيراً عن الهوية الدينية للدولة.

والواقع أن الرئيس التونسي، بهذا الإلغاء، قد أنصف الحقيقة من كل الدساتير التي تنص على هذا المبدأ، لأن الهوية الإسلامية للدولة، التي يفترض أن يعبر عنها هذا المبدأ في الدستور، تعني التزامات وواجبات، يفرضها الدستور على الدولة، حيث تتميز الدولة الإسلامية بخصوصية في الأهداف التي تسعى الدول بوجه عام إلى تحقيقها، ومنها وعلى رأسها، نشر الدعوة إلى الإسلام، ونشر مبادئه السامية في الشورى والعدالة والحرية والمساواة.

وربما يكون الرئيس التونسي، وهو أستاذ في القانون الدستوري، قد رأى أن النص في الدستور على أن الإسلام دين الدولة، يبدو شكلاً بغير مضمون إذا لم يكن له حظ من التطبيق، بما يفرضه على الدولة من التزامات في نشر الإسلام.

وقد ظل هذا النص في الدستور التونسي وغيره من الدساتير في الدول التي تقرر هذا المبدأ معطلاً، وشكلاً بغير مضمون، والقوانين الوضعية في بعض هذه الدول تبيح المحرمات في الإسلام، ومنها تونس التي تبيح الخمر وتحرّم تعدد الزوجات.

وأذكر في هذا السياق أن سيدة تونسية (غير محجبة) كانت تجلس إلى جانبي في الطائرة، ودار حديث بيني وبينها في موضوع تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فذكرت لي أن هذا التحريم كان سبباً في انتشار العنوسة (في تونس)، وأستعيد من الذاكرة أيضاً أن بعض المفكرين الغربيين تمنوا لو كان تعدد الزوجات مباحاً للرجل في ألمانيا لأخرجها من المأزق الذي عاشته بعد الحرب العالمية الثانية التي مات فيها عدد كبير من الرجال، الأمر الذي أدى إلى انتشار العنوسة، فضلاً عن أن عدد النساء الأرامل أصبح كبيراً جداً بلا عائل في ألمانيا، كما لم تهب الدول الإسلامية، وفقاً للمبدأ القائل في دساتيرها بأن دين الدولة الإسلام، لنجدة الدول والشعوب الإسلامية والأقليات الإسلامية المستضعفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المذابح التي ارتكبها الصرب في البوسنة والهرسك، والمذابح التي ترتكب في مينامار، وفي غزة الآن على مرأى ومسمع الدول الإسلامية، التي اكتفت بشجبها واستنكار المسؤولين لها.

وغني عن البيان أن تبليغ رسالة الدين الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، هو فرض عين على كل مسلم، كما هو فرض عين على كل دولة إسلامية في نشر رسالة الإسلام لتحقيق هدفين آخرين هما:

الهدف الأول - نشر الحضارة الإسلامية

من خلال الدعوة إلى الإسلام، والتي تعني نشر جوهره في إرساء مبادئ الحرية والعدل والمساواة والإخاء والحضارة الإسلامية التي هي حضارة إنسانية تجسد حقوق الإنسان، والدين الإسلامي هو الدين الوحيد من بين الأديان السماوية الذي جسد الديموقراطية في أحكامه.

وهو الدين الذي جعل الأسرة أساس المجتمع وصان حقوق المرأة والأمومة وحقوق الطفل، وهي الحقوق التي أصبحت ترددها، لأول مرة، إعلانات حقوق الإنسان والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي أُبرمت في عام 1966.

فقد نزل بأمر إلهي لرسوله (ﷺ) «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ»، وأرسى مبدأ سيادة الأمة في قوله تعالی: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»، قبل أن يبرز هذا المبدأ للوجود في القرن السادس عشر، وجسّد كل حقوق الإنسان، وألغى الرق من أساس وجوده وسبب نشأته بالاعتراف للناس جميعاً بحقوق متساوية، والتدرج في الأحكام هو سمة في الإسلام، ومثال ذلك في تحريم الخمر، فقد بدأ تحريمها، بقول سبحانه: «لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى» ثم أصبح التحريم مطلقاً.

ولا يفوتنا أن نشير إلى الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف في العالم أجمع في التوعية بهذه المبادئ التي هي جوهر الإسلام، والدور الذي تقوم به بعض منظمات المجتمع المدني الإسلامية في الكويت، وفي المملكة العربية السعودية في هذا السياق.

ولو عنيت الحكومات الإسلامية، التي حكمت، باسم الإسلام اثني عشر قرناً، بعد الخلافة الراشدة – بنشر الإسلام عنايتها بالفتوحات الإسلامية كغاية في ذاتها، وحكمت بالعدل والشورى وكفلت الحرية والمساواة والشورى لأسلم العالم كله.

وأذكر في هذا السياق أن الوالي على مصر، في عهد الخلافة الراشدة، أرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يشكو له من نقص حصيلة الجزية بسبب إقبال المصريين على اعتناق الإسلام، فرد عليه الخليفة بأننا فتحنا هذه البلاد دعاة لا جباة، وأرسل إليه مَن يضربه.

الهدف الثاني: تبرئة الإسلام من الاتهام الظالم له بالعنف والإرهاب

وفي نشر الإسلام في جوهره الصحيح من شورى وعدل وحرية ومساواة، ما يكشف عن زيف وبطلان وبهتان دعوة العنف المصاحبة لدعوة التكفير، ونشر الوعي بالدين الإسلامي في بنيانه السليم، بما ينفي عنه هذا الاتهام الظالم بالعنف والإرهاب.

لتكون رداً على جماعات التطرف والعنف التي انتشرت في البلاد الإسلامية، والتي تحمل شعار الإسلام، التي انتقلت من تكفير المجتمع إلى الجهاد لفرض دولة قهرية سلطوية تسعى إلى إزاحة الآخر وتمارس نوعاً من القصاص ضد الشرعية ورموزها في العالم بوجه عام وفي العالم الإسلامي بوجه خاص، وقد أصبحت خنجراً في خاصرة الأمة الإسلامية، الأمر الذي اهتبل المعادون للإسلام، الفرصة للطعن في الإسلام، فوصف الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون في كتابه «الفرص السانحة» المسلم بالهمجي والبربري والدموي.

كما أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الكبير) في حملته الانتخابية للرئاسة التي خاضها عام 1992، أنه يقود حماية الحضارة المسيحية واليهودية في العالم.

وأعلنت تتشر رئيسة الحكومة البريطانية، أنه يجب الإبقاء على حلف الناتو، بعد انتهاء الحرب الباردة مع روسيا، لمواجهة الخطر الإسلامي.

فالعداء للإسلام راسخ في عقائد قادة الغرب، يرسخونه في عقول شعوبهم أفراداً وجماعات، وقد نجح طوفان الأقصى وما تبعه من حرب بربرية وحشية إسرائيلية – إمبريالية عالمية على غزة لا تتناسب البتة مع مقاومة الاحتلال وهي مقاومة مشروعة في القانون الدولي العام، وفقاً لاتفاقيات جنيف، الأمر الذي ادى الى خروج جماهير هذه الشعوب الغربية تندد بجرائم الحرب التي ترتكبها الحضاره المسيحية - اليهودية – حسبما يطلقون عليها - ممثلة في إسرائيل وامريكا، في مظاهرات جابت شوارع المدن الكبرى في العالم، تنادي بالحرية لفلسطين.

back to top