تنزيه وتعظيم شعيرة العيد من الجدل

نشر في 06-04-2025
آخر تحديث 05-04-2025 | 18:21
 أ. د. فيصل الشريفي

يحتل عيدا الفطر والأضحى مكانة عظيمة في الإسلام، لما لهما من قيمة دينية عند المسلمين، تعززها أجواء من الفرح والتآلف، لذا ينبغي ألا تخرج هذه المناسبات عن أهدافها ومضمونها الديني والاجتماعي، وألا تتحوَّل إلى مواضيع جدلية تُفقدها قيمها الدينية والرمزية لدى جموع المسلمين.

من الطبيعي أن تتباين آراء الفلكيين والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي حول تحديد بداية الشهور القمرية، لكن هذا التباين أصبح مادة إعلامية يتداولها العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأحياناً يصل الأمر إلى السخرية والتنمُّر، متجاوزين بذلك القيم الدينية والاجتماعية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية السمحة.

العلوم الشرعية والفلكية من العلوم التكاملية، لا تضاد بينهما، ومن المهم إدراك التطور الكبير في علم الفلك والمراصد الفلكية، حيث باتت الحسابات الفلكية دقيقة في تحديد مواقع الأجرام السماوية ومنازل القمر، ما يخدم ويساعد هيئات الرؤية الشرعية في اتخاذ القرار الصحيح، ومع ذلك تظل الحسابات الفلكية وسيلة استرشادية مُكملة، وليست بديلاً عن الرؤية الشرعية، تماماً كما يستعين علماء الدين بمختلف العلوم الحديثة في استنباط الأحكام الفقهية.

التعامل مع الخلاف الفقهي بروح المسؤولية:

لطالما كانت والدتي، رحمها الله، تردد المثل: «كلٌّ بعقله راضٍ، إلا بماله لا»، في إشارة إلى أن الجدل الذي لا يؤدي إلى نتيجة تركه أبرك، وهذا ما ينطبق على النقاشات السطحية حول رؤية الهلال، حيث يتبارى البعض على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بين جازم بصحة رؤيته، وبين نافٍ له استناداً لفهمه القاصر، وكأنهم خبراء شرعيون وفلكيون في آنٍ واحد.

عند مراجعة الفتاوى الشرعية لكل المذاهب الإسلامية المتعلقة بتحديد دخول الشهر القمري، مع مراعاة واحترام الاجتهادات الشرعية حول وحدة الأفق أو تعددها، نجدها تنحصر في ثلاثة اتجاهات رئيسية لإثبات بداية ونهاية الشهور القمرية:

1 - الاعتماد الكُلي على الحسابات الفلكية.

2 - اشتراط الرؤية بالعين المجرَّدة بعد رصدها بالمناظير.

3 - الاعتماد على الرؤية باستخدام المناظير.

نقاط أخيرة:

- جميع هذه الآراء محترمة ومقدَّرة، رغم احتمال تضاربها، لذلك ينبغي ألا تكون سبباً للتنمُّر والسخرية، فالهدف الأسمى من تحديد بداية الشهور القمرية هو تحقيق مرضاة الله، وتعظيم شعائره، بعيداً عن الجدل العقيم الذي لا يخدم إلا دعاة مُثيري الفتن الطائفية والعنصرية.

- على المسلمين التعاطي مع رؤية الهلال بروح الاحترام والتسامح، ومعرفة أن تباين الآراء له مبرراته الفقهية، لذلك احترام الشعائر الدينية واجب شرعي وأخلاقي، بل هو فرض على كل مسلم ومسلمة، مداراةً للفتنة، وحفظاً لوحدة الصف.

- أما إذا جاء التنمُّر من الجهلاء فلا قيمة له، لكن عندما يصدر عن المتخصصين، سواء كانوا فقهاء أو فلكيين، فإن آثاره السلبية قد تكون خطيرة على وحدة المسلمين، خصوصاً بعد صدور الآراء العلمية والشرعية الموثوقة والمعتمدة في الدول الإسلامية.

ودمتم سالمين.

back to top