اليمن... انهيار القيم وانتشار العصابات

نشر في 04-04-2025
آخر تحديث 03-04-2025 | 18:49
 محمد علي ثامر

دائماً ما يتغنَّى الحوثيون - سُلطة الأمر الواقع في شمال اليمن - بمستوى الأمن والأمان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لكن في واقع الحال، وكمستقرئ له، نجد أن القيم منهارة، والأخلاق مندثرة، والاستهتار بروح الإنسان في أعلى الدرجات، لا ضمير حياً، ولا وازع دينياً، ولا ثقافة حضارية، وكل ما هنالك هو استسهال لروح الإنسان، وارتكاب لأفظع الجرائم، المتمثلة بالقتل في أي وقتٍ، وبأي عُذر، سخيفاً كان أم كبيراً، وأحياناً ربما من دون عُذر.

ولعل حادثةٍ وقعت معي، فقد كُنت واقفاً بسيارتي على جانب الطريق في مديرية الرُّجم بمحافظة المحويت، مُنتظراً أحد الأصدقاء حتى يلحقني بسيارته، فإذا بشابٍ مستهتر يمر مُسرعاً بجانبي، حتى كاد يصدمني، ولم يكن هذا هو الموقف، بل إنه توقف بعد مسافة عائداً بسيارته نحوي، متشدقاً بألفاظٍ نابية وسيئة، ومتوعداً ومزبداً، وما هي إلا دقائق حتى أتى بعصابةٍ من الشباب المستهترين والحاملين لبنادقهم، وكأنهم في غزوةٍ كبرى، وفي جنونٍ أكبر.

بالصدفة تدخَّل العديد من الناس، ناصحين لي ألا أدخل مع هؤلاء في مهاترات أو ملاسنات. وأنا بعيد كل البُعد عن تلك الأخيرة، لكنهم شباب طائشون، تائهون، مغرورون بالقوة الكذابة، والأخلاق المندثرة، والقيم الضائعة.

وبينما نحن في ذلك الموقف العصيب، وصلت سيارة صديقي، ومعه أُناس كُثر، فما إن شاهدوا ما حصل حتى تقافزوا منها، ودخلوا في صياح ومهاترات وتهديد ووعيد لهؤلاء الشباب الأكثر طيشاً وضياعاً في عالم اليوم، ما جعلني أقف في الوسط بينهم مُفارعاً، حتى لا تحدث اشتباكات أو التحامات.

إن انهيار الدول لا يأتي من إسقاطها عبر شن الحروب فقط، وإن كانت أحد أسبابها، بل انهيارها يأتي من وراء انعدام القيم، واندثار الأخلاق، وضآلة التفكير، وضياع الثقافة، وغياب النظام والقانون الرادع. وفي المقابل، هناك انتشار للتعصب، وزيادة للشحن الطائفي والفئوي والحزبي والمذهبي... إلخ، واستباحة للدم الحرام، وغيرها وغيرها الكثير، حتى وصل بالبعض إلى قتل والديه وإخوته، وهذه كثيرة ومنتشرة في هذه الأيام باليمن.

سيظل اليمن يسير بالانحدار نحو هاوية الهاوية كل يوم، وكل وقت، وكل ساعة، ما لم يتدارك المعنيون أو السُّلطة الواقعية، نتاجات ما يسببونه من كوارث ومصائب جمَّة تتمثل في فلتان السلاح، واستسهال القتل، وفي تغييبٍ لكيان الدولة ونظامها، وقوانينها التي يجب أن تُطبَّق على الكل، دونما استثناء أو تحيُّز لأحد من دون الآخر. فما نحتاجه حقيقةً في هذا الوطن، هو عودة الدولة أولاً وثانياً وأخيراً، عندها سيتلاشى كل هذا الغثاء، وكل هذا الوباء.

والله غالب على أمره.

*صحافي من اليمن

back to top