سلاح جديد للهيمنة بين الشرق والغرب
لم يكن الصراع بين القوى العظمى يوماً مجرَّد سباق على الأدوات والتكنولوجيا، بل كان دائماً امتداداً لطموحات سياسية واستراتيجية عميقة.
اليوم، ومع تسارع التحوُّل الرقمي يتخذ هذا الصراع شكلاً جديداً. وهنا تجب الإشارة إلى نماذج مثل ChatGPT الأميركي، وDeepseek الصيني، اللذين يعكسان ليس فقط التطور التقني، لكن أيضاً الفلسفات السياسية لبلديهما.
وكما كان التسلح النووي في القرن العشرين أداة رئيسية في ضبط توازن القوى، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم يُعيد رسم ملامح النظام الدولي. لا يمكن فهم ChatGPT وDeepSeek بمعزلٍ عن هذا السياق، فكل منهما ليس مجرَّد نموذج لغوي متطور، بل هو انعكاس لرؤية سياسية وثقافية تسعى لترسيخ نفوذها في العالم الجديد.
من جهتها، قامت OpenAI بمساعدة مايكروسوفت بتطوير ChatGPT، الذي يُعد من أكثر النماذج تقدماً في الذكاء الاصطناعي. لا تنحصر قدرته على التفاعلات الحوارية، بل تشمل أيضاً تحليل البيانات، والبرمجة، وعدة مهام متقدمة. تعكس هذه المنصة النهج الأميركي الذي يتستر بالابتكار المفتوح، فيما تحركه مصالح الشركات الكبرى، كما أن استخدام ChatGPT يثير العديد من المخاوف، فيما يتعلق بحماية البيانات والاحتمال الوخيم بإساءة استخدام هذه التكنولوجيا في سياق عمليات التأثير الرقمي.
في نفس الوقت، تدرك الصين جيداً أن مَنْ يتحكم في التكنولوجيا يتحكم في المستقبل، لهذا تسعى إلى تقليل تبعيتها للغرب عبر تطوير DeepSeek. فالأمر لا يتعلق فقط بتقديم نموذج ذكاء اصطناعي منافس، بل ببناء استقلال رقمي يحمي الصين من أي ابتزاز سياسي أو اقتصادي.
في الوقت الذي تروج الولايات المتحدة لفكرة الانفتاح التقني، تعمل بكين على تشديد الرقابة والتخطيط الاستراتيجي، لضمان سيادتها الرقمية.
الذكاء الاصطناعي بالنسبة للصين لم يعد مجرَّد وسيلة لتحسين الأداء، بل تحوَّل إلى سلاح استراتيجي يحدد ملامح المشهد الجيوسياسي القادم.
الصراع بين ChatGPT وDeepSeek ليس مجرَّد منافسة بين شركتين، بل هو انعكاس لفارق جوهري في فلسفة التكنولوجيا بين الشرق والغرب. ففي حين تعتمد الولايات المتحدة على الابتكار المفتوح، تميل الصين إلى التخطيط الاستراتيجي والسيطرة المركزية. هذه الفجوة الرقمية قد تُعيد رسم موازين القوى، حيث تسعى كل قوة عظمى إلى فرض هيمنتها عبر تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تعكس رؤيتها. ومع تسارع هذا السباق، يصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرَّد أداة تقنية، بل عنصر فاعل في صياغة مستقبل النظام الدولي. فهل نشهد قريباً هيمنة رقمية مطلقة لإحدى القوى، أم أن توازناً جديداً سيُعيد تشكيل السياسة العالمية؟