عودة «الضبط والإحضار»... تحديات وإمكانات إدارة التنفيذ
• قلة الباحثين ونقص الخبرات يستدعيان من الإدارة مصارحة «العدل» باحتياجاتها
• القانون يعامل المطلوب حبسه كمتعثر مالي لا مجرم يجب إيداعه في السجن
يمثل قرار عودة الضبط والإحضار تحدياً كبيراً لإدارة التنفيذ في وزارة العدل، لا سيما وفق الاختصاصات التي أوردها التشريع في نسخته المنشورة في الجريدة الرسمية، وما تتطلبه من إنفاذ المهام الجديدة لدى الإدارة.
ولعل التحدي الأهم الذي ينتظره الكثيرون هو معرفة الآلية التي سوف تستحدثها الإدارة العامة للتنفيذ لإنفاذ مواد حبس المدين وتفعيل قرارات الضبط والإحضار مجدداً بعد توقفها لقرابة خمس سنوات.
ورغم أن الإدارة ليست حديثة على موضوع الضبط والإحضار وعلى كيفية اتخاذ قراراتها في هذا الصدد، فإن تجربتها السابقة على الصعيد العملي لم تكن الأفضل، سواء من حيث عرض المدينين أو حتى بإصدار قرارات حبسهم أو بإيداعهم في المكان الذي يتلاءم مع كونهم متعثرين مالياً، حيث إن الغاية من إجراء حبسهم هي إجبارهم بدنياً على السداد، وليس إيداعهم على ذمة عقوبة جراء ارتكابهم أفعالاً إجرامية تستدعي معاقبتهم جزائياً وإيداعهم في المؤسسات العقابية لينالوا جزاء ما اقترفوه من أفعال!
المعادلة هنا تختلف من حيث وضع الضوابط، وكيفية التعامل، والغاية التي سنها القانون، ومقاصد التشريع من هذه التعديلات، والتي جاءت لدواعٍ اقتصادية، بحسب ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون. ومثل تلك المعادلة تتطلب وضع العديد من الضوابط والآليات التي تضمن نجاح القانون والدواعي التي جاء من أجلها، والتي ستعمد إدارة التنفيذ إلى تحقيقها.
وتلك المعادلة، وما يستلزم إنفاذها من آليات ابتداءً، هي الأهم قبل الولوج في مظاهر الرغبة في إنفاذ أوامر الضبط والإحضار وحبس المدينين لمجرد إنفاذها، وهو ما يتعين معه أولاً بناء القالب والنموذج الذي ستعمل الإدارة من خلاله.الإدارة مطالَبة بوضع ضوابط وآليات نجاح القانون الذي جاء لدواعٍ اقتصادية
ومن جانب آخر، فإن الإدارة العامة للتنفيذ مطالَبة اليوم بمصارحة وزارة العدل بإمكاناتها الحالية واحتياجاتها، وبضرورة وضعها على مسار الدراسة الجدية وربطها بتمام التنفيذ، من أجل إدخال المنظومة الحديثة التي أوردها المشرع في تعديلاته الأخيرة حيز التنفيذ.
وفي المقابل، يتعين على المسؤولين في وزارة العدل، وتحديداً المسؤولين بالمكتب الفني للوزير، تفهُّم تلك الاحتياجات على أرض الواقع، لا سيما أنهم أكثر الناس فهماً لها، لكونهم ممن شاركوا في إعداد مشروع القانون وصياغته، وهم الأقدر على فهم لغة التطبيق مع المسؤولين في الإدارة العامة للتنفيذ.
وإنفاذ التعديلات التشريعية يتطلب استحداث العديد من الأقسام في إدارة التنفيذ في شتى المحافظات، لتتولى العمل على تطبيق الأحكام والقواعد الحديثة في القانون، من حيث مراقبة مركز المدين، وتتبع أمواله، وعرض الحالات المرتبطة بإصدار الأوامر الواردة في القانون على قضاة التنفيذ.
كما أن الدعوة إلى ضرورة إنشاء أقسام حديثة تساهم في تفعيل أحكام القانون، أو التوسع في المراقبات الحالية، حتى لا تكون التعديلات التشريعية عبئاً على الإدارة أو مجرد حبر على ورق، لاسيما أن أعداد الباحثين القانونيين ومنفذي أوامر التنفيذ غير كافية تماماً لاستيعاب تلك التعديلات وإنفاذها على أرض الواقع، وضمان سير العمل على نحو مرضٍ.
كما يتعين ألا يشكل التعديل ضغطاً وعبئاً على مجموع الموظفين الحاليين، إذ يكشف الواقع العملي اليوم عن عدم قدرتهم على استيعاب حجم الأعمال الموكولة إليهم نظراً لكثرتها، فكيف باستقبال أعباء إضافية!
كما أن زيادة الأعباء على إدارات التنفيذ قد تستدعي زيادة عدد القضاة المنتدبين للعمل فيها، وذلك لأن التعديلات التشريعية أوكلت مهام وصلاحيات إضافية للقضاة الحاليين، بخلاف الصلاحيات الممنوحة لهم في القانون، وما أُلحق بها من بعض الصلاحيات والتنسيق مع باقي الإدارات الأخرى في الوزارة وغيرها، كإدارة الإفلاس مثلاً، وفق أحكام قانون إنشائها.
كما يستدعي الواقع العملي زيادة كفاءة العاملين القانونيين في المكاتب الفنية لإدارة التنفيذ، والتي تشهد نقصاً في الباحثين، كما أن إمكانيات البعض منهم متواضعة، وتستدعي تطعيمها ببعض الخبرات القانونية الفنية في إجراءات التنفيذ وإشكالياته، مع رفع أعدادهم في ظل ارتفاع عدد الطلبات المعروضة عليهم.
تلك الملاحظات وغيرها تأتي استكمالاً لملاحظات سبق الإشارة إليها قبل نشر قانون المرافعات وإدخال التعديلات التشريعية الأخيرة حيز التنفيذ، والتي تستهدف تسليط الضوء على احتياجات هذه الإدارة.
وقد تأتي تلك التعديلات كفرصة لدعم تلك الإدارة، والنظر عن قرب إلى احتياجاتها، بما ينعكس على سهولة الحصول على الخدمات منها، وعلى جودة العمل الفني، وعدم ضياع المجهود التشريعي في إعداد القوانين الأخيرة.
نص القانون
وكان قد صدر المرسوم بقانون رقم 59 لسنة 2025 بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، والذي حمل عقوبات أشد وإجراءات أكثر تضييقاً عليهم.
وقالت المذكرة الإيضاحية للقانون بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، الذي نُشر في الجريدة الرسمية الأحد الماضي: «لقد كشف التطبيق العملي لقواعد التنفيذ بموجب قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (38) لسنة 1980، وإزاء إلغاء النصوص الخاصة بموجب القانون رقم (71) لسنة 2020 بإصدار قانون الإفلاس، عن وجود حالات تمكن المدين من اتخاذ الإجراءات المالية اللازمة لعرقلتها وتعدد الطرق التي يسلكها المدين في إجراءات الحجز على أمواله، ومنها أن يستخدم الأشخاص التابعين له، بما في ذلك ولايته لنقل أمواله إليهم، وعندها يجد الدائن أن الحق الثابت بالسند التنفيذي قد يؤدي إلى أن يصبح ديناً معدوماً لصعوبة تحصيله».
وتابعت: «بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع نسبة الديون المعدومة، سواء كانت ديوناً مدنية أو تجارية، له وقع وأثر شديد، ليس فقط على الدائن الذي يتكبد عناء استصدار السند التنفيذي، وإنما أيضاً على البيئة الاقتصادية للبلاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويعثر السبل نحو أن تصبح دولة الكويت مركزاً مالياً وتجارياً جذاباً للاستثمار. ولذلك، رؤي إجراء تعديل تشريعي على قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه، يضمن سد القصور القائم والسعي نحو تعزيز وسائل الضغط لحث المدين الموسر على سداد ديونه وقطع دابر عرقلة عملية الوفاء بقدر الإمكان، مع مراعاة المدين المعسر الذي يمر بضائقة مالية ويتعثر قسرا في وفاء بديونه، بما يخرجه من الإجراءات التنفيذية والنصوص العقابية، ورغبة في إقامة التوازن بين حق الدائن في اقتضاء حقه الثابت في السند التنفيذي وبين المدين الذي ذمته المالية لا تفي بالتزاماته، دون أن يداخل ذلك تدليسًا في حقيقة مركزه المالي».إنفاذ التعديلات التشريعية يتطلب استحداث العديد من الأقسام في إدارة التنفيذ
زوال الآثر
ونص المرسوم بقانون على استبدال المادة (214) بالنص الآتي: «إذا قررت المحكمة شطب الإشكال وفقًا للمادة (59) أو حكمت بوقفه وفقا للمادة (70)، زال الأثر الواقف للتنفيذ المترتب على رفع الإشكال. وإذا كان الإشكال موقفاً للتنفيذ وخسر المستشكل دعواه، جاز الحكم عليه بغرامة لا تقل عن خمسين ديناراً ولا تزيد على ثلثمائة دينار، وذلك مع عدم الإخلال بالتعويضات إن كان لها وجه».
كما طرأ تعديل على المادة (227) فقرة (ثانية) نص على: «إذا لم يكن الحجز موقعًا على منقول أو دين بذاته، فإنه يتناول كل ما يكون للمحجوز عليه من منقولات في يد المحجوز لديه أو ينشأ له من ديون في ذمته بعد ذلك إلى وقت التقرير بما في ذمته، على أن يلتزم المحجوز لديه عقب ذلك بالتقرير بما في ذمته عمّا آل إليه من أموال للمدين أو أرصدة دائمة له، ما لم يرفع الحجز من إدارة التنفيذ».
وشمل التعديل المادة (230) بند (هـ)، حيث بات ينص على: «تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في الذمة لدى إدارة التنفيذ خلال عشرة أيام من الإعلان بالحجز، وبما آل إليه من أموال للمدين أو أرصدة دائمة له، ما لم يرفع الحجز من إدارة التنفيذ».
وأدخل المرسوم تعديلاً على المادة (234) فقرة (ثانية) لتنص على: «إذا لم يحصل الإيداع المنصوص عليه في المادة السابقة أو المادة (218)، وجب على المحجوز لديه أن يقرر بما في ذمته لدى إدارة التنفيذ خلال عشرة أيام من إعلانه بالحجز، ويذكر في التقرير قيمة الدين وسببه وأسباب الامتناع إن وجدت، ويبين جميع الحجوز الموقع تحت يده، ويودع الأوراق المؤيدة للتقرير أو صورتها. وإذا كان تحت يد المحجوز لديه منقولات، وجب عليه أن يرفق بالتقرير بيانًا مفصلًا عنها. وإذا كان الحجز تحت يد الحكومة أو إحدى الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو أحد البنوك، فيكون التقرير بما في الذمة بواسطة كتاب يرسله الجهة المحجوز لديها إلى إدارة التنفيذ خلال المدة المحددة متضمنًا بيانات التقرير».
أما المادة (293) فباتت تنص على: «يقدم طلب الحبس إلى مدير إدارة التنفيذ أو من يعاونه من القضاة، مشفوعًا بصورة من السند التنفيذي والإعلان عنه، وللآمر قبل إصدار الأمر أن يجري تحقيقًا مختصرًا إذا لم يكن هناك مستندات مؤيدة للطلب. وله، على سبيل المثال، استخراج مستندات ضرورية من الجهات الحكومية وغير الحكومية للفصل في الطلب، ويجوز للآمر أن يمنح المدين مهلة للوفاء لا تزيد على شهر، كما يجوز له، بعد موافقة الدائن، أن يأمر بتقسيط الدين متى ثبت له عدم قدرة المدين على سداده كاملًا، على أن يُلغى الأمر الصادر بالتقسيط كأنه لم يكن إذا تخلف المدين عن الوفاء بأي قسط في الميعاد المحدد له».
حقوق مالية
وأضاف المرسوم مواد جديدة، منها المادة (204) مكررة التي تنص على: «إذا لم ينفذ المدين ما عليه من دين تجاه الدائن بعد إعلانه، فإنه يجوز لمدير إدارة التنفيذ أو من يعاونه من القضاة، بناءً على طلب الدائن، اتخاذ أي من الإجراءات الآتية: طلب كشف بيان ما للمدين لدى الجهات الحكومية من عقارات أو منقولات أو حقوق مالية قائمة أو مستقبلية، وطلب كشف بيان ما للمدين لدى البنوك وشركات الاستثمار ووكالات المقاصة أو غيرها من الجهات المالية. وفي الحالتين، يكون لمدير إدارة التنفيذ أو من يعاونه من القضاة الإذن باستخراج كشف يتضمن التصرفات على هذه الأموال واسم المتصرف إليها عن فترة زمنية سابقة على صدور السند التنفيذي، على ألا يتجاوز ذلك تاريخ نشوء الدين».
كما تضمنت المادة (292) المضافة: «يصدر مدير إدارة التنفيذ أو من يعاونه من القضاة، بناءً على عريضة تقدم من الدائن صاحب الحكم النهائي أو أمر الأداء النهائي أو الأمر على العريضة النهائي، أمرًا بضبط وإحضار المدين وبحبسه مدة لا تزيد على ستة أشهر إذا امتنع عن تنفيذ الحكم أو الأمر النهائي رغم ثبوت قدرته على الوفاء».
وأكدت المادة (293) مكررًا أنه «ينفذ الحبس بمعزل عن المسجونين في القضايا الجزائية، وتهيئ إدارة السجن، بالتعاون مع إدارة التنفيذ، ما يمكن المدين من الوفاء بديونه أو تسويتها».
وحددت المادة (294) الحالات التي «يمتنع فيها إصدار أمر بحبس المدين، مثل كونه لم يتجاوز الحادية والعشرين أو تجاوز الخامسة والستين، أو إذا كان له أولاد لم يبلغوا الثامنة عشرة عامًا، وكان زوجه متوفيًا أو محبوسًا، أو إذا كان المدين مصابًا بمرض لا يتحمل معه الحبس، أو كانت امرأة حاملاً».
وأخيراً، نصت المادة (296) على أن «الأمر الصادر بحبس المدين يسقط في حالات منها: موافقة الدائن كتابةً على إسقاطه، أو انقضاء التزام المدين، أو زوال أي شرط من الشروط اللازم توافرها لإصدار أمر الحبس».