فانس في غرينلاند: استفزاز للدنمارك أم اختبار للضم؟

• هيغسيث تحت المجهر بعد إشراك زوجته في اجتماعات دفاعية حساسة

نشر في 30-03-2025
آخر تحديث 29-03-2025 | 17:10
فانس وزوجته أوشا ومستشار الأمن القومي والتز في غرينلاند (رويترز)
فانس وزوجته أوشا ومستشار الأمن القومي والتز في غرينلاند (رويترز)
أثارت تصريحات نائب الرئيس الأميركي في غرينلاند تساؤلات حول ما إذا كانت اختباراً لسياسة الضم بالقوة، فرغم نفيه الحاجة لاستخدام القوة، تماهت تصريحاته مع هدف إدارة ترامب للسيطرة على الجزيرة.

وجه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس انتقادات لاذعة للدنمارك خلال زيارة إلى جزيرة غرينلاند القطبية، وُصفت بأنها استفزازية، لكنه استبعد لجوء بلاده إلى القوة العسكرية لضم المنطقة الاستراتيجية، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي تحت سيادة كوبنهاغن. موقف فانس بدا متناقضاً مع إصرار الرئيس دونالد ترامب على الاستحواذ على الجزيرة «بأي وسيلة ممكنة».

وخلال زيارته لقاعدة عسكرية أميركية في غرينلاند، قال فانس مساء أمس الأول: «لا نعتقد أن القوة العسكرية ستكون ضرورية على الإطلاق»، موضحاً: «نحن نؤمن بأن سكان غرينلاند سيختارون عبر تقرير المصير الاستقلال عن الدنمارك، وعندها سنجري محادثات مباشرة معهم».

واتهم فانس، المعروف بتأثره ببعض أفكار اليمين البديل، الدنمارك بالتقصير في حماية أمن غرينلاند، داعياً سكان الجزيرة إلى رفض الحكم الدنماركي. وأكد أن الولايات المتحدة قادرة على ضمان أمنهم في مواجهة الصين وروسيا، التي قال إن لدى واشنطن «أدلة قوية جداً» على اهتمامهما بالجزيرة، نظراً لموقعها الاستراتيجي.

وشدد ترامب الأربعاء الماضي على أن الولايات المتحدة «بحاجة إلى غرينلاند من أجل أمنها القومي والدولي»، وقال سابقاً إنه لا يستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها.

من جانبه، علّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس الماضي بأن «خطط ترامب جدية ولا ينبغي اعتبارها مجرد تصريحات مبالغ فيها».

وفي تعليق على تصريحات فانس، قال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن أمس «نحن نتقبل النقد، ولكن لأكون صريحاً جداً، لا نستسيغ اللهجة التي تم من خلالها توجيه لنا». وأضاف «هذه ليست الطريقة التي تخاطب بها حلفاءك المقرّبين، وما زلت أعتبر أنّ الدنمارك والولايات المتحدة حليفين مقرّبين».

وفي إشارة إلى النص الذي ينظّم الوجود الأميركي في غرينلاند، قال الوزير الدنماركي إنّ «اتفاق الدفاع الذي وُقع في العام 1951 يتيح للولايات المتحدة فرصاً عديدة لتعزيز وجودها العسكري في غرينلاند. إذا كان هذا ما تريدونه، فلنناقش الأمر».

وكان فانس قرر مرافقة زوجته أوشا في رحلة إلى غرينلاند بعد أن وصف مسؤولون دنماركيون ومحليون من غرينلاند الزيارة التي قال البيت الأبيض إن هدفها حضور سباق تقليدي للعربات التي تجرها الكلاب بأنها استفزازية.

وبقراره الالتحاق بزوجته، بدا أن فانس يرد على منتقدي الزيارة التي جاءت من دون دعوة، لكن كوبنهاغن رحبت لاحقاً بتعديل برنامج الزيارة، الذي اقتصر على تفقد القاعدة العسكرية الأميركية.

وكان مسؤولون دنماركيون ومحليون أفادوا بأن مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز وعدداً من المسؤولين الآخرين سيزورون الجزيرة بالتزامن من زيارة أوشا فانس، في خطوة قد تهدف إلى فرض أمر واقع وزيادة الضغوط على الدنمارك. غير أن استطلاعات الرأي أظهرت رفضاً واسعاً بين سكان غرينلاند لفكرة الانضمام إلى الولايات المتحدة، رغم أن أغلبية السكان ما زالوا يؤيدون الاستقلال عن الدنمارك.

وازدادت الأضواء المسلطة على مواقف فانس بعد فضيحة «سيغنال غيت»، التي كُشف فيها عن تبادل مسؤولين أميركيين معلومات عسكرية حساسة حول ضرب الحوثيين، عبر مجموعة دردشة على تطبيق تجاري، تمت دعوة صحافي إليها عن طريق الخطأ. وأظهرت المحادثات أن فانس شكّك في مدى صحة قرار ترامب بتوجيه ضربات عسكرية لضمان حرية الملاحة، متسائلاً عن مدى اتساق هذه الخطوة مع مطالبة ترامب للدول الأوروبية بتحمل مسؤولياتها الأمنية، خصوصا أن «40% من تجارة أوروبا تمر عبر البحر الأحمر، بينما لا تتجاوز نسبة التجارة الأميركية عبر هذا المسار 3%».

وتُضاف هذه الحادثة إلى قائمة من الرسائل المتناقضة الصادرة عن إدارة ترامب، ليس فقط بشأن غرينلاند، بل أيضاً فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والمفاوضات مع روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا، والعديد من القضايا الاستراتيجية الأخرى.

زوجة هيغسيث

على صعيد آخر، يواجه وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث موجة جديدة من الانتقادات، بعد الكشف عن حضوره اجتماعات دفاعية رفيعة المستوى برفقة زوجته، جينيفر، وهي منتجة سابقة في قناة «فوكس نيوز»، رغم أنها لا تشغل أي منصب رسمي في وزارة الدفاع.

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، شاركت جينيفر هيغسيث في اجتماع بالبنتاغون في 6 الجاري، جمع بين وزير الدفاع الأميركي ونظيره البريطاني جون هيلي، بحضور رئيس الأركان البريطاني الأدميرال توني راداكين، لمناقشة قرار واشنطن وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية مع أوكرانيا، بالإضافة إلى مستقبل التعاون العسكري بين الحليفين.

وأفادت الصحيفة بأن وزير الدفاع الأميركي يتمتع بصلاحية دعوة من يشاء لحضور الاجتماعات، لكن العرف المتبع يقتضي أن تقتصر قائمة الحضور على مَن لهم صلة مباشرة بالملفات المطروحة، وغالباً ما يُشترط حصولهم على تصاريح أمنية نظراً لحساسية المناقشات.

كما شاركت جينيفر في اجتماع الشهر الماضي بمقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، حيث بحث وزراء دفاع الحلفاء دعم أوكرانيا. وأكد مسؤولون أميركيون أن شقيق وزير الدفاع، فيليب هيغسيث، رافقه أيضاً في بعض الزيارات الرسمية.

ووفقاً لمصادر حضرت الاجتماعين، لم يكن بعض المسؤولين الأجانب على علم بهوية جينيفر هيغسيث، بينما فوجئ آخرون بوجودها، لكنهم مضوا في الاجتماع دون إبداء اعتراضات علنية.

معارك قضائية

في سياق آخر، تواصلت المواجهات القضائية التي تخوضها إدارة ترامب لتنفيذ أجندتها الداخلية الرامية إلى إحداث تغيير جذري في النظام السياسي الأميركي.

ففي الساعات الأخيرة، أصدر قاضٍ اتحادي حكماً بوقف مساعي الإدارة لإغلاق «إذاعة صوت أميركا» وفصل 1300 صحافي وموظف من الوكالة الإخبارية الحكومية، مؤكداً أن تمويل الوكالة أُقرّ من الكونغرس، وأي تعديل في ميزانيتها يتطلب موافقته.

كما أصدرت محكمة اتحادية في ماساتشوستس أمراً بوقف الترحيل الفوري لطالبة دكتوراه تركية في جامعة «تافتس»، بعد اتهامها بتمجيد جماعات تصنّفها واشنطن إرهابية، مثل حركة حماس. في المقابل، ألغت محكمة استئناف فدرالية حكما يمنع وزارة كفاءة الحكومة، التي يديرها إيلون ماسك، من فرض المزيد من التخفيضات على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، معتبرة أن قرار الوزارة لا يشكل انتهاكا دستوريا، ما يمهد الطريق أمام خفض كبير في ميزانية المساعدات الأميركية الخارجية.

وبعد القرار، أكّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في بيان، إعادة تنظيم عمل الوكالة من خلال «نقل بعض المهام إلى وزارة الخارجية وإلغاء مهام لا تتوافق مع أولويات الإدارة».

وشدد روبيو على ضرورة «إعادة توجيه برامجنا للمساعدة الخارجية، لتتماشى مباشرة مع ما هو أفضل للولايات المتحدة ولمواطنينا». وندد ديموقراطيون بالخطوة، معتبرين العملية «غير قانونية وخطيرة وغير فعّالة».

نوك منفتحة على الصين

أعرب قادة سياسيون في غرينلاند عن اهتمامهم بتعميق التعاون مع الصين في مجالات مثل التجارة ومصايد الأسماك والتنمية المستدامة، مسلطين الضوء على إمكانية إبرام اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين.

وأكدت فيفيان موتزفيلدت، وزيرة الخارجية الجديدة في حكومة غرينلاند الجديدة التي تتمتع بالحكم الذاتي، لوكالة أنباء شينخوا أن تعزيز العلاقات مع الصين سيكون من أولوياتها.

وقالت «إن رحلتي إلى الصين في 2023 كانت لا تُنسى»، مشيرة إلى أن الصين أحد أكبر أسواق المأكولات البحرية في غرينلاند، مؤكدة أن «الصين مهمة جداً بالنسبة لنا، ونحن حريصون على تعزيز تعاوننا».

ولفتت إلى أن مهامها تشمل تعزيز الصادرات، وتعزيز التعاون في قطاع مصايد الأسماك، فضلاً عن السعي إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الصين. وأمس الأول أعنلت الحكومة في غرينلاند بناء على تحالف ائتلافي من 4 احزاب وقع في نيوك عاصمة غرينلاند.

back to top