تصريح لا يمر مرور الكرام
تعكس خلاصة مقابلة وزير التجارة الأميركية السيد هوارد لوتنيك التي ورد فيها ذكر دولة الكويت نموذجاً حياً للسياسة النيوليبرالية التي توجه دفة الاقتصاد العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين الغربيين، إذ تكشف النيوليبرالية عن منطلقاتها الاقتصادية من واقع فرض القوة والهيمنة والنفوذ الدولي على اقتصادات الدول الناشئة والتحكم بالانفتاح على أسواقها، مع نهب مواردها الطبيعية بأرخص الأسعار من قِبَل الشركات الدولية العابرة للقارات، مستغلة ً الظروف الاستثنائية كالحروب والكوارث الطبيعية.
تقوم النيوليبرالية على الاقتصاد «الريعي» من خلال المضاربات في القطاعات المالية من أسواق الأسهم والمعادن والعقارات والتأمين بالإضافة للابتزاز والتهديد العسكري، وهذا الأخير هو الجانب الأخطر لما يمثله من التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية للدول مع الانتقاص من سيادتها وتهديد استقرارها.
تصريح وزير التجارة الأميركية لم يطلب فيه من دولة الكويت المزيد من إتاحة الفرص للشركات الأميركية للمنافسة على المناقصات الحكومية أو المشاركة في المشاريع المليارية الصناعية أو الإنشائية، ولم يكن مقابل «خدمةٍ ما» لنضطر لدفع ثمنها مقدماً أو سلفاً، وإذا كانت الميزانية الفدرالية الأميركية تتحمل وِزر الدين الوطني الأميركي الذي تجاوز 36 تريليون دولار فإن جزءاً عظيماً منه بسبب المغامرات العسكرية للولايات المتحدة وحروبها المصطنعة، حتى تجاوزت ميزانية «البنتاغون» 750 مليار دولار سنوياً، وهي الميزانية العسكرية الأضخم على مستوى العالم، حيث تستحوذ عليها شركات إنتاج أسلحة الدمار وعلى حساب دافعي الضرائب من الأميركان.
الرئيس دونالد ترامب بإدارته الجديدة يتبنى المواقف السياسية ويشيّد علاقاته الدولية بحسب براغماتيتها المادية، «كم نخسر مقابل كم نربح؟، والاتفاقيات التجارية حسب مردودها وقدرتها على فرض الاحتكار وكسر المنافسة المحلية، وعلينا أن نتذكر ما حذر منه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في خطابه الوداعي عندما قال: إن الولايات المتحدة تواجه تركزاً خطيراً للسلطة في أيدي حفنة من فاحشي الثراء، ومن الواجب وضع حد لإساءة استخدامهم للسلطة.
سُئِل رجل المال السياسي العظيم مارك حنا قبل حوالي قرن من الزمن عن المهم في السياسة، فأجاب: المال أولاً والمال ثانياً ونسيت ما هو الثالث.
من حقنا كدولة وشعب رفض تصدير الأزمات الاقتصادية وتبعاتها المالية إلينا من خلال «إحراجنا» بالدفع، ومن حقّنا المفاضلة باختيار حلفائنا وتنويع مصادر احتياجاتنا من البضائع المتنوعة أو الأسلحة، واعتمادنا على بناء شبكة من العلاقات الإستراتيجية الدولية والإقليمية، فالصراعات العسكرية والتحديات الاقتصادية في المرحلة القادمة خطيرة وحرجة، ونحن بالأخير مستهلكون ومصدرون «للريع» وأسعار نفطنا بيد غيرنا صعوداً وهبوطاً.