الرأي العام في الكويت... سلطة شعبية لا تزال تمتلك قدرة مؤثرة
شهدت الكويت خلال الأيام الماضية حراكاً سياسياً وشعبياً فاعلاً، أكد أن الرأي العام في البلاد لا يزال يملك القدرة المؤثرة على تحريك القرارات الحكومية والحيوية اللازمة للتفاعل مع الأحداث المحلية والخارجية ذات الصلة رغم التوقف المؤقت للحياة البرلمانية ووجود المؤسسات الرقابية الأخرى.
فتصريح وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك حول التكاليف المالية لحرب تحرير الكويت من الغزو العراقي والرسوم الجمركية، أثار موجة واسعة من الانتقادات في وسائل الإعلام، ومطالبات بتحرك حكومي مبكر تجاه الإدارة الأميركية تجنباً لأي تطورات سلبية مستقبلية، لا سيما أن العالم يتابع عن كثب منهجية الرئيس الأميركي في التعامل مع الدول التي بات الصديق منها والعدو على حد سواء أمام نهم المصالح الأميركية.
موجة الرأي العام نجحت في إطلاق تحرك كويتي دبلوماسي، فالتقى وزير الخارجية عبدالله اليحيا السفيرة الأميركية وجرى «استعراض العلاقات الثنائية والتعاون الاستراتيجي القائم بين دولة الكويت والولايات المتحدة»، واجتمعت سفيرة البلاد لدى الولايات المتحدة الشيخة الزين الصباح مع وزير التجارة الأميركي في واشنطن لتوضيح الحقائق التاريخية والتجارية، بحسب ما جاء في البيان الرسمي الصادر عن السفارة.
ومن الشأن الكويتي الدولي إلى الشأن المحلي، فقد سجل الرأي العام الشعبي هدفاً بكشفه قضية التلاعب والتحايل في نتائج سحوبات المسابقات - أو ما عُرِف إعلامياً بـ «كوبونات يا هلا» - التي «ألحقت أضراراً جسيمة بالمصالح القومية، وهزت البلاد وكشفت عن شبكة إجرامية معقدة» بحسب بيان النيابة العامة التي تولت التحقيق إثر بلاغ قدمه وزير التجارة والصناعة خليفة العجيل.
الجدير بالذكر أن تداعيات حادثة التلاعب بالجوائز أدت إلى استقالة وكيل «التجارة» السيد زياد الناجم الذي وصف الحادثة في خطاب استقالته بأنها «تجاوزت حدود الوزارة وعكست صورة سلبية لدى المواطنين عن الوزارة».
الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي تعتبر لاعباً رئيسياً في الحياة السياسية، حتى إبان قيام مجلس الأمة، والشواهد التاريخية سجلت للرأي العام نجاحات في تصويب أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي المرحلة الحالية تزداد أهمية هذه الرقابة وتبرز ضرورة حماية الرأي العام لأداء واجباته الدستورية والوطنية بحرية وبما لا يتجاوز حدود القانون.
وقياس الرأي العام لا يقل أهمية عن الاستماع له، فهو أيضاً أداة مساندة للسلطة التنفيذية وداعمة لصناعة قراراتها، ومواقع التواصل الاجتماعي ليست الحيز الوحيد، فالدواوين الكويتية تمثل مورداً ذا أهمية للرأي العام وقياسه، ولعل زيارات رئيس مجلس الوزراء بالإنابة الشيخ فهد اليوسف للدواوين ولقاءه المواطنين يمثلان إدراكاً لأهمية الرأي العام في الدواوين الكويتية.
ويُحسب للحكومة تجاوبها مع القضايا الأخيرة التي طرحها وأثارها الرأي العام بمسار «إيجابي»، وتفاعلها معه بما يحقق المصلحة الوطنية، دون التشكيك في نواياه والريبة من مقاصده، مما يتطلب تعزيز هذا النهج في التعامل مع الملفات، وإبقاء الأبواب مفتوحة للرأي العام للمشاركة لا في الرقابة فقط، بل حتى في إبداء الرأي في التشريعات التي تعتزم الحكومة إقرارها.