الكويت والولايات المتحدة... شراكة عميقة تتجاوز ضجيج التصريحات
وسط زخم الأحداث الدولية المتسارعة، تصدر أحيانا بعض التصريحات الفردية التي تبدو كأنها خارجة عن السياق، متجاوزة طبيعة العلاقات التاريخية، وهذا ما حدث في تصريحات وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، التي وصف فيها الكويت بأنها «ناكرة للجميل» بسبب ما اعتبره رسوما جمركية عالية على المنتجات الأميركية.
في الكويت، لم يكن الرد على هذه التصريحات غاضباً، بل مستغرباً، لا لأننا نرى فيها رأياً مخالفاً، بل لأنها تتناقض مع الواقع ومع تاريخ العلاقات الممتد لأكثر من ستين عاماً بين البلدين، فلم نعتد أبداً أن تكون نبرة الحوار بهذه الحدة وبهذا الأسلوب، ربما جاءت تصريحات الوزير ضمن استراتيجية قديمة وهي «التصعيد الإعلامي» ثم الجلوس على طاولة المفاوضات، والتي اعتدنا رؤيتها في الحقبة السابقة لإدارة الرئيس ترامب، حيث وجهت انتقادات مشابهة لكندا والمكسيك كتمهيد لإعادة التفاوض على اتفاقية نافتا (NAFTA)، التي أصبحت لاحقاً اتفاقية (USMCA)عام 2018.
ومن المحتمل أيضاً أن هذه التصريحات جاءت في توقيت حرج له، إذ تعرض الوزير لوتنيك لانتقادات شديدة في بلاده بسبب دعوته العلنية لشراء أسهم «تسلا» التي تراجعت بشكل حاد، مما دفع النائب جيري كونولي إلى طلب تحقيق رسمي لاستغلال المنصب لأغراض خاصة بسبب الاشتباه في تضارب المصالح نظراً لصداقته العميقة مع إيلون ماسك.
لكن إذا انتقلنا إلى لغة الأرقام التي يفهمها رجل الأعمال الوزير لوتنيك جيداً، فسنجد صورة واضحة مختلفة، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الكويت وأميركا في 2023 حوالي 4.13 مليارات دولار، تميل الكفة فيها لصالح الولايات المتحدة بعجز تجاري للكويت يقدر بـ 1.24 مليار دولار، كما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية كأهم مورد للسلع إلى الكويت بعد الصين، بإجمالي صادرات بلغت 3.4 مليارات دولار، كما أن نسبة الرسوم الجمركية في الكويت لا تتجاوز 5% على معظم السلع، وهي من بين الأدنى عالميا.
أما الإشارة إلى تكلفة تحرير الكويت بمئة مليار دولار، فهي تناقض ما هو موجود في السجلات الرسمية لأرشيف الكونغرس الأميركي التي أكدت أن التكلفة بلغت حوالي 61.1 مليار دولار، دفعت الكويت منها 16.1 ملياراً بشكل مباشر وشاركت دول التحالف كالسعودية (بـ 16.8 مليار دولار)، والإمارات بـ (4.1 مليارات)، واليابان وألمانيا وعدة دول في تحمل جزء كبير من الأعباء، وحتى حرائق آبار النفط التي أشار لها الوزير كانت عملية دولية مشتركة، وليست أميركية فقط.
أما عن «نكران الجميل»، فتاريخ الكويت يشهد على وقوفها بجانب الولايات المتحدة في محطات عديدة أبرزها تقديم نصف مليار دولار بعد إعصار كاترينا عام 2005. كما أن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية تدير أصولاً تبلغ 800 مليار دولار، نصفها تقريباً مستثمر في السوق الأميركي.
تصريح الوزير يناقض الواقع وتصريحات القيادة الأميركية، ففي ديسمبر 2024 تم انعقاد الحوار الاستراتيجي السادس بين البلدين في واشنطن، حيث شدّد الجانبان على متانة الشراكة الممتدة وعمق التفاهم الاستراتيجي بينهما، كما صدرت عن القيادات الأميركية منذ فترة وجيزة، وعلى رأسها وزير الخارجية ماركو روبيو، تصريحات إيجابية تجدد التأكيد على عمق العلاقات بين البلدين.
وختاماً، نحن نؤكد مجدداً أن الكويت تحترم الذاكرة وتنظر للمستقبل، فلا الكويت تقبل الانتقاص من سيادتها وكرامتها الوطنية تحت أي ظرف، ولا الولايات المتحدة– بمؤسساتها الراسخة – ترضى بالإضرار بحليف تاريخي موثوق طالما وقف معها في الملمات، إن الحكمة تستوجب أن تُبحث الملفات التجارية وغيرها على طاولة المفاوضات الهادئة لا عبر المنابر الإعلامية.
وعليه، فإن ما قيل يجب أن يُقرأ كما هو، تصريح فردي فقط لا يعكس جوهر العلاقة العميقة واستثناء لا يُبنى عليه، ويبقى صوت العقل، كما تعوّدناه من الطرفين، هو الأجدر بأن يعلو فوق الضجيج، وأن يرسم ملامح مستقبل علاقة تستحق أن تستمر قوية ومتزنة كما عهدناها.