«CBS» تتخلص من الأجسام الطائرة المجهولة
بدأت الضجة حول الأجسام الطائرة المجهولة (UFO) في 16 ديسمبر 2017، ولاتزال فصول جديدة تُكتب حتى اليوم.
وأشار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز إلى مشاهدات مرئية وأجهزة استشعار تابعة للبحرية الأميركية ومواجهات مع أجسام طائرة غير عادية، تتحرك في مناطق التدريب العسكري، وتؤدي مناورات تبدو مستحيلة من الناحية الفيزيائية. ومع تصاعد القصة، التي حظيت باهتمام العلماء الجادين وكبار المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ومجلس الشيوخ، ووكالة ناسا، تحدث بعضهم بصراحة عن احتمال كونها مركبات فضائية قادمة من عوالم أخرى.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، بدأت الحكومة الأميركية في الكشف عن الحقيقة تدريجيا حيث لم تكن المشاهدات الأكثر إثارة للقلق تتعلق بأجسام طائرة غير ممكنة من الناحية الفيزيائية، بل كانت مجرد طائرات مسيّرة (درونز) تحلّق بالقرب من القواعد العسكرية الأميركية، ومن المحتمل أن تكون مشغلة من قبل قوة أجنبية، وتحديداً الصين.
واتضح أيضا أن الولايات المتحدة لديها قدرة ضعيفة، إن لم تكن معدومة، على حماية مواقعها الداخلية من عمليات التجسس أو الهجمات التي تُنفذ بواسطة الطائرات المسيّرة من قبل عملاء أجانب. وأثبتت معظم التغطيات الصحافية أنها عديمة القيمة من الناحية الفكرية، إذ لا تزال تركز على سؤال واحد: هل هذه مركبات فضائية؟ كانت الاستثناءات قليلة، مثل مجلة ريزون، وبوبولار ميكانيكس، إلى أن جاء برنامج 60 دقيقة الأسبوع الماضي وتناول القضية بشكل مباشر.
وخالف تقرير CBS كل التقاليد الصحافية المعتادة. فقد رفض الانشغال بفكرة زيارة كائنات فضائية للأرض، ولم يحاول إغراء المشاهدين بتلميحات حول تكنولوجيا خارقة. بل على العكس، منذ البداية، توجه مباشرة إلى لبّ القضية: قوى أجنبية تستخدم طائرات مسيّرة داخل الولايات المتحدة للتجسس على الجيش الأميركي.
لسنوات، كنت أشك في أن المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الأميركيين يروجون عمداً لهستيريا الأجسام الطائرة المجهولة، وهي ممارسة لها تاريخ طويل. وفي إشارة إلى حادثة وقعت عام 2019، صرّح المراسل بيل ويتاكر بوضوح «لم تبذل البنتاغون جهدا يُذكر لدحض التكهنات بأن هذه الصور التي التقطت بتقنية الرؤية الليلية كانت لأجسام طائرة مجهولة، لكن سجلات السفينة أظهرت أنها كانت طائرات مسيّرة، ويُشتبه في أن مصدرها كان سفينة شحن تحمل علم هونغ كونغ كانت تبحر بالقرب من الموقع».
وهناك نقطتان يجب التوقف عندهما أولاهما أن الإعلام تراجع مستواه. فقد فضّلت الصحافة لسنوات اتباع حملة التضليل حول الأجسام الطائرة المجهولة التي كان يروج لها بعض المُسربين المزعومين و«المبلغين عن المخالفات». ولعل المثال الأبرز على ذلك هو تقرير نشرته «نيويورك تايمز» عام 2020، من تأليف رالف بلومنتال وليزلي كين، استند إلى تكهنات أثارها الصحافيان نفسيهما بأن الحكومة الأميركية تمتلك حطام مركبات فضائية، والنقطة الثانية عن قصة لبلومنتال وكين ولم تنشرها «نيويورك تايمز» واضطرا لنشرها بشكل مستقل. وتضمنت مقابلة مع الضابط السابق في استخبارات القوات الجوية الأميركية، ديفيد غروش، الذي زعم أن الولايات المتحدة حصلت على تكنولوجيا فضائية من حكومة موسوليني عام 1944. ومع ذلك، استضافت «نيويورك تايمز» كين في بودكاست، حيث زعمت أن ادعاءات غروش كانت موثوقة لمجرد أن الآخرين رفضوا تأكيدها علناً.
قد تجد صعوبة في تصديق ذلك، وأنا أيضا أجد صعوبة في تصديقه. يبدو أن العديد من العاملين في الصحافة اليوم هم أشخاص ساذجون، مستعدون لتصديق أي شيء يقوله مصدر ما طالما أنه سيجذب القرّاء. يبدو أن العديد من المؤسسات الإخبارية تتبع هذا النهج لأسباب اقتصادية، كما رأينا في حالة «ملف ستيل». والأسوأ من ذلك، وكما أتعهد دائما بعدم تفويت أي فرصة لذكره، أن المحرر السابق لصحيفة واشنطن بوست، مارتي بارون، حاول في مذكراته تبرير الأداء الضعيف لصحيفته، مدعياً أن المراسلين الذين عملوا على الملف لم يطلعوه بما فيه الكفاية، ومع ذلك، استمر هؤلاء الصحافيون في العمل لدى الصحيفة.
لذلك، برز تقرير «60 دقيقة»، لأنه لم يضخم قصة الأجسام الطائرة المجهولة، بل تناول الحقيقة الأساسية.
وفي اجتماع حديث مع قائد قاعدة باركسديل الجوية في لويزياناو هي مقر «قيادة الضربة العالمية» وتضم جزءاً كبيراً من أسطول القاذفات B-52 الأميركية تلقينا في «وول ستريت جورنال» تأكيداً أن الجيش الأميركي بات مدركاً تماماً للتهديد الذي تشكله الطائرات المسيرة الأجنبية، ويعمل بسرعة على تطوير وسائل لمواجهته. نأمل أن يكون الأمر كذلك.
لذلك عند إطلاق صاروخ باليستي تقليدي، قد لا تتمكن الولايات المتحدة من إيقافه، لكنها على الأقل تعرف مصدره. لكن إذا كانت هناك مركبات غير مصرح بها تتجول في الأجواء الأميركية دون معرفة من أرسلها أو من يديرها، فإن ذلك يقوّض أساس الردع، وبالتالي أمن المواطنين الأميركيين.
*هولمان دبليو جنكينز الابن كاتب عمود في «وول ستريت جورنال»