طلبة الدكتوراه ومحرك البحث العلمي

نشر في 24-03-2025
آخر تحديث 23-03-2025 | 16:25
 د. حمد محمد علي ياسين

تُعد الدراسات العليا أحد أهم المقومات التي تعزز مكانة الجامعات وتُرسخ دورها الريادي في مجالات البحث العلمي والإبداع المعرفي، ويمثل طلبة الدراسات العليا القلب النابض والمحرك الأساسي للبحث العلمي في الجامعات الرائدة عالمياً.

من هذا المنطلق، تبرز الحاجة لتعزيز وتطوير واستحداث برامج الدكتوراه في جامعة الكويت، لا سيما في المجالات العلمية والتقنية، كوسيلة للنهوض بالمستوى الأكاديمي وتعزيز مكانة الجامعة محلياً وعالمياً.

في الوقت الراهن، تقدم جامعة الكويت برامج ماجستير متميزة ومتنوعة في المجالات العلمية والإنسانية، وهي بلا شك ذات قيمة عالية في إعداد كوادر مؤهلة علمياً ومهنياً. مع ذلك، تظل فترة هذه البرامج قصيرة نسبياً «عامان في الغالب»، مما يحد من القدرة على تحقيق العمق العلمي والبحثي الكافي أو الالتزام بالبحوث طويلة الأجل. في المقابل، توفر برامج الدكتوراه فترة دراسية أطول تمتد من أربع إلى خمس سنوات، ما يسمح للطالب بالتعمق بشكل أكبر في الموضوعات البحثية، وتطوير أفكار أكثر ابتكاراً وعمقاً، وتحقيق مساهمات علمية ذات أثر أكبر.

إن التوسع في إنشاء برامج دكتوراه قوية في جامعة الكويت من شأنه خلق هرم بحثي متكامل، تكون فيه القاعدة الأساسية مكونة من هؤلاء الطلبة الذين سيشكلون حلقة الوصل بين أعضاء هيئة التدريس والباحثين الجدد من طلبة الماجستير والبكالوريوس. هذا الهرم البحثي المتكامل سيساعد في ضمان استدامة الجهود البحثية، وسيتيح فرصاً للتطوير والتوسع في المشروعات العلمية طويلة المدى.

علاوة على ذلك، فإن وجود برامج دكتوراه مميزة سيساهم في جذب التمويل البحثي بشكل أكبر من المؤسسات الوطنية والدولية، إذ يمثل طلبة الدكتوراه ضمانة حقيقية لاستمرارية الأبحاث وجديتها، وبالتالي تزداد فرص الجامعة في الحصول على منح بحثية ذات قيمة عالية، كما يُعد ذلك فرصة لخلق شراكات بحثية استراتيجية مع الجامعات العالمية والمراكز البحثية الكبرى.

من ناحية أخرى، سيُسهم وجود برامج الدكتوراه في رفع مستوى النشر العلمي في الدوريات العالمية المرموقة، ويعزز من السمعة الأكاديمية للجامعة دولياً. كما يساعد وجود هؤلاء الطلبة في تطوير المهارات البحثية الإدارية لدى الأساتذة، من خلال المشاركة في الإشراف الأكاديمي وإدارة الفرق البحثية.

كما أن لوجود طلبة الدراسات العليا، خصوصاً طلبة الدكتوراه المنخرطين بشكل مباشر في البحث العلمي، انعكاساً إيجابياً على العملية التدريسية في الجامعة،

إذ يجلب الطلبة الباحثون، من خلال مشاركتهم النشيطة في البحث، إلى القاعات الدراسية أحدث النتائج العلمية والمستجدات البحثية، ويثرون المناقشات العلمية ويشجعون على التفكير النقدي والإبداعي، كما يساهمون في نقل تجاربهم وخبراتهم البحثية إلى الطلبة الأصغر سناً، مما يخلق بيئة تعليمية أكثر ديناميكية وتفاعلية.

هذا التفاعل بين البحث والتدريس لا يرفع من مستوى التعليم فحسب، بل يساعد أيضاً في إعداد جيل جديد من الطلبة قادر على التفكير العلمي والنقدي، ومهيأ للمشاركة الفعالة في بناء المستقبل العلمي والتنموي للبلاد.

back to top