من سُم الزواحف إلى ثورة علاجية في «السكري»
يشهد العالم في السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لأدوية GLP-1 RA التي باتت تشكِّل نقلة نوعية في علاج مرض السكري والسمنة. وتحتل هذه الأدوية مكانة بارزة في بروتوكولات العلاج الحديثة، بفضل فاعليتها العالية، وقدرتها على تحسين السيطرة على سكر الدم، وخفض الوزن، والحماية من أمراض القلب والشرايين. وقد أصبح الدواء اليوم منتشراً بشكل واسع عالمياً، ويتصدَّر قائمة الأدوية الأكثر استخداماً لعلاج السكري والسمنة، ومن أشهرها إبر «أوزمبيك» (Ozempic)، و«فيكتوزا» (Victoza).
لكن المفاجأة أن بداية اكتشاف هذا العلاج كانت من مصدر غير متوقع تماماً: سُم سحلية صحراوية تُعرف باسم «وحش جيلا».
تعود قصة هذا الاكتشاف إلى أوائل التسعينيات، حين كان الدكتور جون إنغ، وهو باحث في علم الغدد الصماء بمستشفى قدامى المحاربين في نيويورك، يقوم بأبحاثه في السموم الطبيعية والزواحف. أثارت اهتمامه سحلية «وحش جيلا»، بسبب تأثيرات سمها الغريبة، وعندما درس هذا السم عن قُرب، اكتشف جزيئاً فريداً أطلق عليه اسم «إكسيندين-4».
سرعان ما وجد الباحثون أن إكسيندين-4 يشبه إلى حدٍّ كبير هرموناً بشرياً مهماً في تنظيم مستويات السكر بالدم يسمى GLP-1، لكنه يتميز عنه باستقراره وطول مدة مفعوله في الجسم. وبعد سنوات من البحث والتطوير، تم تحويل هذه المادة إلى دواء باسم «إكسيناتيد» (Exenatide)، والذي أصبح أول دواء في عائلة GLP-1 RA، وتم اعتماده رسمياً لعلاج السكري عام 2005.
ومنذ ذلك الحين، أثبتت الدراسات والأبحاث المتتالية فاعلية هذا النوع من الأدوية، ليس فقط في السيطرة على السكري، بل أيضاً في المساهمة بخفض الوزن، وتحسين صحة القلب والشرايين، وتقليل مخاطر الأمراض المرتبطة بالسمنة، الأمر الذي أدى إلى توسع استخدامها بشكل ملحوظ.
واليوم، باتت هذه الأدوية منتشرة بشكل واسع حول العالم، وتعتمد عليها ملايين الحالات المرضية، ما يؤكد أن الطبيعة لا تزال تحمل في طياتها الكثير من الأسرار التي قد تغيِّر وجه الطب الحديث.
قصة اكتشاف GLP-1 RA من سحلية صحراوية تبقى درساً ملهماً في فضول العلماء، وكيفية استثمار الموارد الطبيعية في تحقيق اكتشافات طبية مذهلة، كما أنها تعزز من أهمية البحث العلمي والتطوير المستمر للوصول إلى حلول طبية مبتكرة وأكثر فاعلية.