بدون مجاملة: البكاء ليس للرجال
المشاعر البشرية متنوعة، المشاعر بسيطة ومركّبة، وهي جزء من تركيبتنا الطبيعية، إذ لا مفر منها حتى وإن اجتهدنا في إخفائها أو سعينا لإنكارها، إن تهرّبنا أو تصنّعنا.. ستظل حاضرة في النفوس متأصلة في دواخلنا.
العاطفة هي أحد الأمور التي تميّزنا ككائنات حية، قادرة على الإدراك والتحليل، والعاطفة تؤدي دورا جوهريا في تمكيننا من التفاعل مع محيطنا. العاطفة لها تعبيرات، على وجوهنا، في تحرّكاتنا، على كلماتنا وتصرفاتنا. فمن أين أتى اعتقاد بأن على الرجل ألا يبكي؟! ثم تنشئة الصبيان على أن كتم دموعهم قوة ورجولة؟!
تخيّل أن تطلب من شخص ألّا يعطس! والعطس استجابة طبيعية لمحفزات تؤثر على الخلايا العصبية في الأنف، وهي عملية حيوية متتابعة، ولها فائدة في تنظيف الجسم.
البكاء تعبير عن حزن أو ألم أو خوف أو فرح أيضا! - لن ندخل في شرح القناة الدمعية - يكفي أن البكاء آلية طبيعية في الجسم لتحرير المشاعر! شخصيا أحتاج إلى أن أبكي إذا مررت بيوم شاق، لأن ذرف الدموع يُشعرني براحة وتحسّن ملحوظ، وهذا ما خلصت إليه الدراسات الحديثة، حيث إن للبكاء أهمية ومنفعة في التخلص من المشاعر المزعجة، والتخفف والتجديد، بل والإحساس بالنشاط!
هل تتم تربية الأبناء على ألا يكونوا بشرا؟ ألا يستجيبوا لعواطفهم فيمارسونها ويفهمونها؟
إن البكاء دلالة رجولة فعلية، لأنه تعبير تلقائي لعاطفة إنسانية سليمة، كيف يُرفض ويُعاب، وأفضل الخلق عليه الصلاة والصلام قال «إن العين تدمع وإن القلب يحزن»؟ مع الصبر والاحتساب.
نبي الله يعقوب، عليه السلام، بكى حتى ابيضت عيناه من الحزن! مع مطلق يقينه بحكمة الله تعالى!
في التفسير الإنساني السويّ يُربط الدمع برقّة القلب، ويعتبر هذا رحمة ونقاء. والبكاء حزنا استجابة طبيعية، ولا يتعارض مع الصبر والإيمان والرضا بالقدر.
البكاء ألما يُفرز نوعا من الهرمونات التي تعطي الجسم إحساسا بالتخدير، وهذا يخفف من الألم الجسدي والتوتر النفسي، فيمنح شعورا بالهدوء. وكذلك البكاء فرحا، والذي يعزز مشاعر السعادة!
وهناك صنف آخر من البكاء هذا الذي يرفع قدر المرء ويزكي النفس ويُوجب المغفرة، وهو البكاء من خشية الله. وقد أثنى الله عز وجلّ على الذين تُبكيهم آياته، وذكرهم في كتابه.
يكفي اعتقادات تربوية واجتماعية خاطئة ومعوجة! يكفي سفاهة! فالعواطف الإنسانية فطرة ورحمة وإعجاز، وليست الرجولة في كتم الدموع، إنما الرجولة وعيٌ واتزان وسلوك خَيّر.