هجوم خاطئ على المؤسسات الأميركية
بدأ الأسبوع الماضي بملاحظة مُقلقة جداً. فقد قام إيلون ماسك بإعادة نشر هجوم خطير على أكثر من اثنتي عشرة جهة أميركية تلقَّت منحاً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أو وزارة الخارجية خلال العقد الماضي.
وأشار المنشور الأصلي، الذي نشره ماسك على موقع إكس، إلى هذه المجموعات على أنها «مرتبطة بالإرهاب».
وفي تعليقه على المنشور، كتب ماسك: «كما قال الكثيرون، لماذا ندفع للمنظمات الإرهابية ولدول معينة كي تكرهنا، فيما هي مستعدة للقيام بذلك مجاناً؟!».
ويبدو أن الجهات المدرجة في المنشور الأصلي تم اختيارها بشكل انتقائي من قِبل شخص مُعادٍ للعرب والمسلمين. ويبدو أنه قام بفحص قائمة المستفيدين من المنح، وعمد بشكل عشوائي إلى اختيار الكيانات التي تحتوي على كلمة «عربي» أو «مسلم» في أسمائها، أو التي قامت بأعمال في الشرق الأوسط. لا أعرف جميع المجموعات المذكورة، لكن تلك التي أعرفها كانت في طليعة توفير الدعم الإنساني المنقذ للحياة للاجئين وضحايا الحروب أو الكوارث الطبيعية، وفي الوقت نفسه، بناء علاقات أفضل بين الولايات المتحدة والمجتمعات المحتاجة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكثير من المنظمات التي تعرفتُ عليها في القائمة لها سجلات خدمة مهمة بنفس القدر.
ما كان مزعجاً جداً بالنسبة لي، هو أن معهدي، المعهد العربي الأميركي، كان في المرتبة الثانية على القائمة. وكان هذا الأمر مُقلقاً لسببين: أولاً، لأن الاتهام خاطئ تماماً، وثانياً، لأنه يشكِّل خطراً غير مسؤول.
والحقيقة أن المعهد تلقى منحة من وزارة الخارجية عام 2018 (خلال فترة إدارة ترامب الأولى) لإنشاء شراكات بين المسؤولين المنتخبين من العرب الأميركيين والموظفين العموميين والمسؤولين المحليين المنتخبين. ومنذ تأسيسه عام 1985، يفخر المعهد العربي الأميركي بسجله الحافل في تشجيع العرب الأميركيين على الترشح للمناصب المحلية. ومع تطور عملنا، أدركنا أن العديد من هؤلاء القادة الشباب لم يسبق لهم زيارة الشرق الأوسط، وإذا فعلوا كان ذلك فقط إلى البلدان التي تنحدر منها عائلاتهم.
كنت آمل منذ فترة طويلة إنشاء برنامج يتيح لهم التعرُّف على العالم العربي الأوسع وفهمه، وكذلك مشاركة تجاربهم وما تعلموه في الحياة السياسية الأميركية مع نظرائهم في الدول العربية. كانت المرحلة الأولية من البرنامج ناجحة جداً، لدرجة أن وزارة الخارجية دعمت توسيعه، ليشمل المغرب، ثم الأردن. وكان من الرائع رؤية هؤلاء الشباب من العرب والعرب الأميركيين وهم يعملون معاً بروح تعاونية، يناقشون المشكلات التي يواجهونها في إدارة البلديات، ويبحثون عن حلول لتحسين الخدمات المقدمة للسكان، مثل: جمع القمامة، وإنشاء مراكز تكنولوجية مجتمعية، وتقديم الدعم للعائلات التي لديها أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد انتهى البرنامج عام 2023.
إن قيام شخص يحمل تحيزاً ضد العرب أو المسلمين بربط هذه الجهود التي تهدف إلى بناء الجسور بين الشعوب بدعم الإرهاب، هو أمر خاطئ إلى درجة لا يمكن فهمها. أما أن يقوم شخص في مكانة ماسك بإعادة نشر هذه الرسالة وإضافة تعليق عليها، فهذا تصرُّف خطير بشكل غير مقبول.
ورغم أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون بلداً مرحِّباً وشاملاً، فإنه يجب علينا الاعتراف أيضاً بأن لدينا تاريخاً من الكراهية والعنف، وقد كان نصيب العرب الأميركيين وداعمي الحقوق الفلسطينية من هذه الاعتداءات غير متناسب خلال العقود الأخيرة. في عام 1985، بعد مقتل أحد موظفيَّ السابقين في اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز، طُلب مني الإدلاء بشهادتي أمام لجنة الحقوق المدنية الأميركية والكونغرس الأميركي حول الكراهية والعنف الموجهين ضد مجتمعنا. وفي شهادتي، أوضحت كيف أن بيئة جرائم الكراهية ضد العرب الأميركيين يتم تأجيجها من قِبل أولئك الذين يحرِّضون علينا. وأشرت إلى أنه عندما يتم وصفنا بالإرهابيين أو مؤيدي الإرهاب، فإن ذلك يحفز البعض على استخدام العنف ضدنا. وأنا أعرف ذلك شخصياً من خلال التهديدات بالقتل التي تلقيتها على مر السنين.
خلال العقدين الماضيين وحدهما، تمَّت إدانة أربعة أشخاص بسبب تهديدهم لحياتي وحياة عائلتي وموظفيّ. وكانت هذه التهديدات مصحوبة في معظم الأحيان باتهامات تتعلق بالإرهاب أو بدعم الإرهاب.
لذلك، فإنني آخذ الأمر على محمل الجد عندما يقوم شخص قوي ومؤثر، مثل ماسك، بتوجيه اتهام غير مسؤول لمعهدنا. والأمر الأكثر إثارةً للقلق، هو أن منشوره قد شاهده ما يقرب من 20 مليون شخص، إذ لا يتطلب الأمر سوى شخص واحد مُختل عقلياً قرأه ليقرر تنفيذ عمل عنيف.
لقد نصحنا البعض بعدم الرد على تحريض ماسك، على أمل أن يتلاشى الأمر من تلقاء نفسه. لكني أختلف مع هذا الرأي. وفي النهاية، أفضل دفاع لدينا هو أن نُظهر مدى خطئه ومدى خطورة كلماته.
*رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن