«الشرنقة» يضع المتفرج أمام خيارات غير طبيعية
أحد أهم عناصر نجاح العمل الدرامي هو اقترابه من المشاهد وتعبيره عن واقعه، فيشعر المتفرج أنه يرى نفسه في العمل أو مختبئ خلف أحد الشخصيات، وهو سر خلود أعمال مدرسة الواقعية التي أسسها الأديب نجيب محفوظ بالتعاون مع المخرج صلاح أبوسيف، وسار على نهجها رواد الواقع كبشار الديك وداود عبد السيد ومحمد خان ورأفت الميهي وعاطف الطيب وخيري بشارة وغيرهم.
وفي مسلسل «الشرنقة» نجح صناع العمل، بقيادة المخرج محمود عبدالتواب، والأداء الاحترافي للفنان أحمد داود، في أن يجعلوا الجمهور يدخل «الشرنقة» ويشعر بكل آلام الميلاد وصعوبة الخروج، ولكن للأسف خروج غير آمن، لأن الأحداث تقود إلى مخاطر كبيرة تجعل البعض يشعر بالارتياح للشرنقة والحياة الآمنة بدلا من صراعات وطموحات مدمرة.
«الشرنقة» تضع المتفرج أمام خيارات غير طبيعية، فالبقاء داخلها أمر لا يسمح بالتطور والنمو، والخروج منها هلاك، هذا الصراع النفسي الذي نجح في تجسيده باقتدار أحمد داود، ليحبس المشاهدين معه في «الشرنقة»، من خلال إحساسه المتدفق بكل آلام الشخصية وطموحاتها في مشهد مزدوج بين الواقع والمأمول الذي قدمه من خلال تجسيد شخصيتين متناقضتين كتلك التي تسكن في دواخلنا دائما وتصيبنا بالتيه والحيرة.
جاء «الشرنقة» وفقا للتوقعات بأن يكون أحد أقوى المسلسلات التي ستنافس بقوة خلال شهر رمضان، ومنذ الحلقة الأولى وحتى الآن حظي العمل بإشادة الجمهور والنقاد بأسلوبه السردي المبتكر الذي يختلف عن النمط التقليدي للأعمال الدرامية، كما يقدم تجربة فنية متكاملة تجمع بين الحبكة القوية والتصوير السينمائي والإخراج المحترف، مسلطا الضوء على قضايا اجتماعية معاصرة نتلمسها يوميا كغلاء المعيشة والثراء الفاحش والفقر المدقع والفجوات الهائلة وغير المنطقية بين الطبقات ومواقع التواصل الاجتماعي التي كسرت الحاجز بين الطبقات، فجعلت من هو أدنى يتابع في ذهول وحقد ثروات هائلة مجهولة النسب، ومن هو أعلى يتنصل في جحود وقسوة مادية من احتياجات أساسية لبشر يعيشون تحت خط الفقر بطبقات.
أداء داود لم يفق التوقعات لأن أداءه دائما غير متوقع، فهو فنان قادم بقوة منذ انطلاقته بعالم الدراما، خطواته ثابتة ومدروسة بعناية، واختياراته غير تقليدية، وأدواره مبهرة رغم بساطتها لكنها تمتنع على كثير من الفنانين حتى يفك شفرتها داود ويسمح لها بالخروج من «الشرنقة».