شريط الذكريات
الأحداث والذكريات في حياة الإنسان مثل الشريط السينمائي تمرّ أمامه في لحظات التفكير والتأمل، بعض هذه الأحداث والذكريات يزيد الإنسان بهجة وسروراً وبعضها الآخر مؤلم ومحزن! ولكنها أحداث حقيقية مرت بحياة الإنسان وأصبحت من الماضي الذي لا يستطيع أن يغيره!
أمام عيني مر شريط حياتي منذ عام 1987 حتى هذه اللحظة في لقطات وومضات متسارعة ومتداخلة!
لا أعرف لماذا فقط منذ عام 1987، ربما لأنه تاريخ عودتي من الدراسة في الخارج في 22/ 6/ 1987، وربما بسبب انضمامي للتجنيد في صيف ذلك العام! وربما بسبب الأمل والتفاؤل الذي أحياه الخطاب التاريخي للقيادة السياسية في 22/ 6/ 2022.
في هذا الشريط مرّت أمام عيني العديد من الذكريات الحلوة والمرة في مجال الدراسة والعمل ومراحل الشباب والأسرة والعمل! بدأ الشريط بإرسال بعض اللقطات والعبر والمواقف المضحكة والمبكية والمؤلمة!
وعندما يستعيد المرء بعض الأحداث الجميلة، فإنه يتمنى استمرارها وديمومتها، ولكن دوام الحال من المحال، وكما قال المتنبي:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وعندما يمر شريط الذكريات على الأحداث المؤلمة والذكريات الحزينة يشتد قلب الإنسان حسرة وألماً ومرارة بسبب هذه الأحداث التي ربما يكون أغلبها خارجاً عن قدرته وإرادته واستطاعته! ويتمني لو يرجع الزمن فيخفف من آثارها المؤلمة ومرارتها التي لا يزال يشعر بطعمها رغم مرور السنين! ولكن الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك! فيجب على المرء أن يؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، ويتعظ من هذه الأحداث قدر استطاعته.
رأيت أمامي بعض المواقف والقرارات التي تشرفت باتخاذها في وقتها وبعض المواقف التي ندمت على اتخاذها، بالرغم من صحتها في حينها! لأن من كنت أناقشه في ذلك الوقت كان قيادياً متعنصرا ًوكنت أظنه مواطناً صالحاً وعادلاً ينشد الصلاح والفلاح والنجاح للجميع.
بعض اللقطات تذكرني برجال دولة حاربوا من أجل مبادئهم وقيمهم وتحملوا الكثير من الظلم والأذى وعدم التقدير ونكران جميل أعمالهم بسبب مواقفهم الوطنية العادلة!
لقطات وومضات تعرض بجلاء تعثر المسيرة التنموية ودجل بعض القيادات السياسية والاقتصادية والإدارية وتفضيل مصالحها الخاصة والحزبية والعائلية والقبلية والدينية والطائفية على مصلحة البلد. مواقف توضح حب وتضحية أبناء الوطن لوطنهم أثناء الغزو وأخرى مع الأسف الشديد توضح ظلم الدولة لأبنائها بسبب قراراتها الجائرة والمتسرعة وغير المدروسة.
وفي مقابل ذلك لقطات close up سريعة من شريط الذكريات يطل علينا أشخاص كنّا نظنهم من الأخيار والمصلحين، وهم في واقع الأمر شياطين تمشي على الأرض!
تمر أمامي شلة المتسلقين والإمعات وماسحي الجوخ وبعض الناشطين في وسائل التواصل وقد تسيدوا المشهد السياسي والاجتماعي وأصبحوا قادة وقدوة لكثير من شبابنا في عصر التكنولوجيا الحديثة وعصر الذكاء الاصطناعي AI وعصر التحول الرقمي Digital Transformation.
أغمضت عيني وحاولت أن أنسى بعض هذه المواقف والمناظر والأشخاص المزعجين من شريط حياتي، ولكن لا يزال الشريط يعرضها بكل دقة ووضوح! فتزداد مرارة الحقيقة وتمتزج بألم عدم القدرة واستطاعة التغيير والإصلاح والتطوير في زمن أصبح الناكرون للمعروف في زيادة مطّردة والحافظون للمعروف في تناقص مطرد!
ولكن يبقى الإنسان سعيداً ومؤمناً ومقتنعاً بأن معظم ما تم اتخاذه من قرارات في مسيرة حياته كان صحيحا وعادلا في حينه، بالرغم من تغير الزمان والمكان والظروف.
أغمضت عيني وحاولت أن أنسى بعض هذه المواقف والمناظر والأشخاص المزعجين من شريط ذكرياتي وحياتي، ولكن لا يزال الشريط يعرضها بكل صدق ودقة ووضوح، رغم تقلب الظروف والأشخاص والأحداث من حولنا. إنها لقطات ومواقف تحمل معاني كثيرة لا يفهمها إلا قليل من البشر!
ودمتم سالمين.