الكويت تدعم إجراءات الحكومة السورية لحفظ أمنها
• اضطرابات الساحل توقع أكثر من 500 قتيل وتضع دمشق أمام اختبار أمني مزدوج
بعد الهجوم الواسع الذي شنّه مسلحون موالون لنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، مساء الخميس الماضي، على مبانٍ ومقار حكومية في منطقة الساحل غرب سورية، التي تسكنها غالبية من الطائفة العلوية، (الأقلية الدينية التي ينتمي إليها الأسد)، ردّت السلطات السورية الجديدة على الهجوم، مما أدى إلى سقوط أكثر من 500 قتيل. وفي هذا السياق، أعربت وزارة الخارجية الكويتية، أمس ، عن «إدانة الكويت واستنكارها الشديدين للجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون في سورية الشقيقة، واستهدافها لقوات الأمن ومؤسسات الدولة».
وأكدت الوزارة، في بيان، «وقوف دولة الكويت إلى جانب سورية ودعمها لجميع الجهود والإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية لحفظ أمنها واستقرارها الوطنيين».
اختبار مزدوج
وتواصلت، اليوم، المعارك المتقطعة في مناطق عدة من الساحل السوري، وسط تقارير عن انتهاكات طالت المدنيين، مما يضع السلطات السورية الجديدة أمام تحدٍّ أمني مزدوج، فمن جهة، يتعيّن عليها فرض الأمن والتصدي للمجموعات المسلحة الموالية للأسد، التي قد تحظى بدعم خارجي، لاسيما من إيران، حيث توقّع مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى أن تشهد سورية قريباً مواجهة من هذا النوع.
ومن جهة أخرى، تواجه السلطات مسؤولية منع تصاعد الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها بصرامة، لضمان عدم تحوّل هذه الممارسات إلى ورقة ضغط سياسية ضدها، خاصة أن المجتمع الدولي، منذ اللحظة الأولى لسقوط الأسد، شدد على ضرورة حماية الأقليات.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن المنطقة شهدت، اليوم، «هدوءاً نسبياً»، لكنّ القوات الأمنية تواصل عمليات «الملاحقة والتمشيط في الأماكن التي يتحصن فيها المسلحون»، وأرسلت تعزيزات إضافية. وأفادت قناة الجزيرة بوقوع قتلى من قوات الأمن في كمائن للموالين للأسد.
وتُعد هذه المعارك الأعنف منذ إطاحة الأسد في 8 ديسمبر، وتشكّل مؤشراً على حجم التحديات التي تواجه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في بسط الأمن في سورية، وسط وجود فصائل ومجموعات مسلحة ذات مرجعيات مختلفة، بعد 13 عاماً من نزاع مدمر.
إغلاق الطرقات
من ناحيتها، أعلنت وزارة الدفاع السورية، اليوم، إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل، ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الدفاع قوله: «بعد استعادة السيطرة على معظم المناطق التي عاثت فيها فلول النظام البائد فسادًا وإجرامًا، تعلن وزارة الدفاع، بالتنسيق مع إدارة الأمن العام، إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الساحل، وذلك لضبط المخالفات ومنع التجاوزات وعودة الاستقرار تدريجياً إلى المنطقة». بدوره، شدد محافظ اللاذقية على ضرورة الالتزام بالسلم الأهلي.
وأكد المصدر أن «وزارة الدفاع شكلت سابقا لجنة طارئة لرصد المخالفات، وإحالة من تجاوز تعليمات القيادة خلال العملية العسكرية والأمنية الأخيرة إلى المحكمة العسكرية».
وبثّت الوكالة صورا لانتشار قوات الأمن العام في الشوارع والساحات العامة في محافظة طرطوس، للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المدنيين.
وأفادت محافظة حماة بأنه «تم الاتفاق مع وجهاء وادي العيون في ريف مصياف على تثبيت نقاط أمنية داخل المدينة لبسط الأمن والأمان، وتسليم المجرمين الذين تسببوا أخيراً في قتل أفراد من الأمن ووزارة الدفاع، وفرّوا إلى المنطقة حديثا».
وشهدت منطقتا طرطوس واللاذقية الساحليتان معارك منذ الخميس، إثر هجوم مجموعات مرتبطة بالنظام السابق أعلنت أنها تريد «تحرير» سورية من القيادة الحالية، مما أدى إلى سقوط مئات القتلى.
وتضاربت الأنباء حول إيقاف العملية العسكرية، إذ نقلت صحيفة الوطن السورية، وهي واحدة من الصحف القليلة التي لا تزال تعمل في دمشق، عن مصدر في وزارة الدفاع قوله إن العملية العسكرية في الساحل السوري أُوقفت مؤقتاً لحين إخراج غير المنتمين إلى الجيش والأمن، مشدداً على ملاحقة حاملي السلاح.
وكان الأمن العام السوري قد أعلن، في وقت سابق، اعتقال مجموعة غير منضبطة ارتكبت انتهاكات ضد مدنيين، في إقرار ضمني بحدوث انتهاكات. كما أعلن عن استرجاع أكثر من 200 آلية سُرقت من مدينة جبلة، المختلطة بين السنّة والعلويين، وسيتم إعادتها إلى أصحابها.
ارتفاع حصيلة القتلى
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية اكتسبت مصداقية في رصد انتهاكات نظام الأسد خلال الحرب الأهلية، بأن أكثر من 300 مدني علوي قتلوا منذ الخميس خلال عمليات تمشيط واشتباكات مع موالين للأسد في المنطقة الساحلية.
وذكر المرصد أن «311 مدنيًا علوياً قُتلوا في منطقة الساحل على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها»، مشيراً إلى أن هؤلاء قتلوا في «عمليات إعدام» من قبل عناصر قوات الأمن أو المسلحين الموالين لها، ترافقت مع «عمليات نهب للمنازل والممتلكات».
وبذلك، ترتفع الحصيلة الإجمالية منذ بدء الاشتباكات إلى 524 قتيلاً، بينهم 213 من المسلحين من الطرفين. وأوضح المرصد أن عدد القتلى من «الأفراد العسكريين في وزارتَي الداخلية والدفاع» بلغ 93، بينما قُتل «120 عنصراً مسلحاً» من الموالين للأسد.
وتحدثت تقارير محلية عن مشاركة مسلحين أجانب، خصوصاً من الشيشان والإيغور والأوزبك وغيرهم، في الانتهاكات.
تحذير الشرع
وكان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قد حضّ المقاتلين العلويين، ليل الجمعة، على تسليم أنفسهم «قبل فوات الأوان». وقال، في خطاب بثّته قناة الرئاسة السورية على منصة تللغرام: «لقد اعتديتم على كل السوريين، وإنكم بهذا قد اقترفتم ذنباً عظيماً لا يُغتفر، وقد جاءكم الرد الذي لا صبر لكم عليه، فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم قبل فوات الأوان». وأضاف: «سنستمر في حصر السلاح بيد الدولة، ولن يبقى سلاح منفلت».
ومنذ إطاحة الأسد، نفّذت السلطات الجديدة حملات أمنية لملاحقة «فلول النظام» السابق، شملت مناطق يقطنها علويون، خصوصاً في وسط البلاد وغربها.
موقف درزي
وفي منطقة السويداء، التي شهدت أمس تظاهرات ضد الشرع والإدارة الجديدة، وجّه الرئيس الروحي للدروز، الشيخ حكمت سلمان الهجري، نداءً حذّر فيه من «تداعيات التصعيد العسكري في الساحل السوري، حيث تُزهق أرواح الأبرياء بلا رحمة».
وأكد الهجري، في بيانه، أن «النيران التي تشتعل تحت شعارات طائفية ستحرق كل سورية وأهلها»، مشدداً على «ضرورة تدخّل العقلاء من كل الأطراف لحقن الدماء فوراً».
وطالب الجهات المحلية والدولية المختصة والأمم المتحدة بـ «اتخاذ إجراءات فورية لوقف الاقتتال ونشر السلام دون تردد أو ازدواجية في المعايير»، مجدداً دعوته إلى «وقف إطلاق النار ووقف الاقتتال بشكل فوري وعاجل».