«المنامة»: أرض الحضارات تدعو المسلمين لـ «وحدة الأمة»

• عاصمة البحرين احتضنت مؤتمر الحوار الإسلامي برعاية الملك بعنوان «أمة واحدة ومصير مشترك»

نشر في 25-02-2025
آخر تحديث 24-02-2025 | 19:31

دائماً ما وصفت «المنامة» بأنها المركز التجاري الذي يجمع أشتات المتفرقات، فمنذ فجر التاريخ... كانت ولا تزال مقصداً للباحثين في التاريخ والحضارات، فعلى أرضها نشأت وتألقت حضارة «دلمون» العريقة، منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، وعرفها السومريون بأرض الفردوس والخلود والحياة.

كما أن مقابر دلمون، التي أدرجت على لائحة التراث العالمي عام 2019 بقرار من لجنة التراث العالمي، كان مركزها قبل خمسة آلاف سنة في جزر البحرين وجزيرة تاروت في القطيف.

وإلى جانب ذلك، مثّلت «دلمون» مركزاً استراتيجياً مهماً، وحلقة وصل بين بلدان الشرق الأوسط والأدنى، وبين حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة ميلوخا في وادي السند وحضارة الفراعنة في مصر، وامتدت حضارتها على طول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وعُرفت بهذا الاسم تاريخياً لإحاطتها بالماء من كل ناحية، حتى أنها ذُكرِت في الكتابات المسمارية القديمة بهذا الاسم... «دلمون».

«أمة واحدة ومصير مشترك»

وفي رحاب هذا العبق الحضاري، وعلى تلك الأرض التاريخية، استضافت المنامة منذ أيام فعاليات مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي بعنوان «أمة واحدة ومصير مشترك» تحت رعاية الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبدعوة من الإمام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر الأستاذ د. أحمد الطيب، وتنظيم من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة الشيخ عبدالرحمن آل خليفة، وحضور أكثر من 400 شخصية من العلماء والقيادات والمرجعيات الإسلامية والمفكرين والمثقفين، بهدف تقريب وجهات النظر وتحقيق وحدة الأمة ونبذ الفرقة والغلو للوصول إلى مصالح الأمة الاسلامية ووأد الخلافات والمشاحنات.

وعقدت خلال المؤتمر 5 جلسات نقاشية على مدى يومين، بحضور نخبة كبيرة من العلماء والمفكرين المسلمين والمفتين من كل الدول الإسلامية في شتى بقاع الأرض.

المؤتمر أقيم بدعوة من شيخ الأزهر وتنظيم «الأعلى للشؤون الإسلامية» بحضور 400 شخصية من العلماء والقيادات والمرجعيات والمفكرين

نبذ الخلافات

وخلال جلسات الحوار في المؤتمر، دعا المشاركون وعلى رأسهم رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ عبدالرحمن آل خليفة، وشيخ الأزهر الإمام الأكبر د. أحمد الطيب إلى تغليب مصلحة الأمة وتحقيق وحدتها ونبذ الخلافات وأسباب الفرقة، لمواجهة ما يحاك لها من مؤامرات ومخاطر قد تهدد وجودها، مؤكدين أهمية التركيز على المشتركات الكثيرة بين المذاهب الإسلامية، والعمل بكل قوة لترسيخ القيم في الفكر والسلوك، بما يجعل التعايش والتفاهم، والتوافق، والاحترام المتبادل، خياراتٍ ثابتةً لا حياد عنها، محذرين من التحديات التي تعيشها الأمة الإسلامية، ومطالبين الحريصين والمخلصين من قادتها وعلمائها ونخبها، بأن يوحدوا كلمتهم وصفوفهم، ويُعلوا فيهم مصلحة الجماعة المسلمة بكل نسيجها الثري، ويعملوا على بناء مستقبل مشرق للأمة.

متحف البحرين الوطني

وأثناء حضورنا فعاليات المؤتمر الإسلامي، قمنا بزيارة إلى متحف البحرين الوطني، وقد شهدنا في جولتنا عليه، آثاراً كثيرة لحضارات المملكة بدءاً بالحقبة التاريخية لـ «دلمون» وصولاً إلى الوقت المعاصر وكيف كانت الحياة وطرق دفن الموتى وممارسة طقوس الحياة القديمة والحديثة في «دلمون» القديمة والبحرين الحديثة وما شهدته من تطورات عبر العصور.

اتحاد إسلامي وقنوات اتصال

دعا الدكتور أحمد الطيب إلى إنشاء اتحاد إسلامي يفتح قنوات الاتصال بين كل مكونات الأمة، دون إقصاء لأي طرف من الأطراف، مع احترام شؤون الدول، وحدودها وسيادتها وأراضيها.

البحرين نموذج للانفتاح والتعايش

أشار المشاركون في المؤتمر إلى نموذج مملكة البحرين التي حظيت بجغرافيا مميزة، وموقع استراتيجيّ مهم، رسّخا قيمة التعايش في جذور هويتها؛ إذ كانت عبر العصور ملتقى حضارياً لمختلف الحضارات القديمة، ومركزاً حيوياً لخطوط التجارة والملاحة، مما جعل أهلها منفتحين على التعاطي البنّاء مع مختلف الأديان.



مدافن دلمون

شاهدنا نماذج للمقابر والمدافن القديمة، اذ تضم البحرين أكبر مقبرة تاريخية اكتشفت في العالم حتى الآن، والتي تُدعَى مقبرة عالي وهي عبارة عن تلال تتكون من 21 جزءاً منتشرة على امتداد يصل إلى 20 كيلومتراً، وتضم تلال مدينة حمد، وتلال مدافن الجنبية، وتلال مدافن عالي الشرقي، وتلال مدافن عالي الغربي، ويصل عددها إلى 11.774 تلة، كما توجد بينها تلال ملكية.



تاريخ المعابد

دونت كتب التاريخ أن المنقبين عثروا تحت قلعة البحرين وحولها على مجموعة من المدن المحصنة، يعود تاريخ بناء أقدم مدينة فيها إلى حوالي سنة 2800 ق.م.

ومن الآثار القديمة لدلمون الكثير من المعابد والأواني الفخارية المتنوعة، وقد عثر عليها المنقبون مرصوفةً في القبور، كما عثروا أيضاً على آنية نحاسية للاستخدام المنزلي، وكذلك عثروا على تماثيل كانت لها مكانة دينية لدى أصحابها، وعلى أختام كانت تستخدم لإثبات الملكية، وللتوقيع على الاتفاقيات وعلى كثير من العقود، وقد عثر عليها في آنية فخارية.


الشيخ عبدالرحمن آل خليفة وفضيلة الشيخ د. أحمد الطيب والمشاركون في المؤتمر الشيخ عبدالرحمن آل خليفة وفضيلة الشيخ د. أحمد الطيب والمشاركون في المؤتمر

توصيات المؤتمر

أوصى المشاركون في أعمال مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي بتأسيس رابطة دائمة للحوار الإسلامي وتفعيل آليات التعاون بين المذاهب، وتعزيز الحوار الإسلامي وتقوية الروابط بين المذاهب الإسلامية المختلفة وتحقيق الأخوّة الإسلامية، والتفاهم والتعاون وضرورة تعزيز وحدة الصف الإسلامي، وإجراء حوار بناء يركز على المشتركات الكبرى ويواجه التحديات المشتركة، مع الالتزام بآداب الحوار الإسلامي وأخلاقياته.

كما أوصى المؤتمر بتعزيز التعاون الإعلامي والديني وضرورة تكاتف المرجعيات الدينية والمؤسسات الإعلامية لنزع ثقافة العداء والكراهية بين المسلمين، وتوجيه الخطاب الإعلامي نحو ترسيخ التفاهم المشترك، ومراجعة التراث الفكري بوعي ونقد ذاتي مع ضرورة الاعتراف بالأخطاء الاجتهادية عبر التاريخ الإسلامي، ومواصلة النقد البناء، بما يعكس نضج الفكر الإسلامي واستعداده لمواكبة التطورات المعاصرة، وكذلك تجريم الإساءة بين المسلمين.

وأوصى بتوحيد الجهود لدعم القضايا الإسلامية الكبرى حيث يتطلب دعم القضية الفلسطينية، ومقاومة الاحتلال، ومكافحة الفقر والتطرف تضافر جهود المسلمين، مما يساعد على إذابة الخلافات الثانوية تلقائياً، إضافة إلى إطلاق مشروع فكري شامل ودعوة المؤسسات الإسلامية الكبرى إلى وضع مشروع فكري يوحد القضايا المتفق عليها في العقيدة والشريعة والقيم، لتعزيز الهوية الإسلامية المشتركة، وإحياء روح التعاون بين المسلمين.

كذلك أوصى بتمكين المرأة في تحقيق الوحدة الإسلامية والتأكيد على دور المرأة المحوري في تعزيز ثقافة التفاهم والتلاحم داخل المجتمعات الإسلامية، وإشراكها في جهود تحقيق الوحدة، فضلاً عن تحويل الوحدة الإسلامية إلى نظام مؤسسي إضافة إلى إطلاق مشاريع تنموية وحضارية مشتركة لتعزيز التعاون الإسلامي في مجالات التنمية والاقتصاد والمشاريع الاجتماعية، مما يسهم في تحقيق التكامل الإسلامي وترسيخ الروابط بين الدول الإسلامية.

حكماء المسلمين

وأعلن مجلس حكماء المسلمين متابعة تنفيذ توصيات المؤتمر عبر خطوات عملية، تشمل تأسيس رابطة دائمة للحوار الإسلامي، لتعزيز التفاهم والتعاون بين المذاهب الإسلامية، إلى جانب بدء التحضيرات بالتنسيق مع الأزهر الشريف لتنظيم الدورة الثانية من مؤتمر الحوار الإسلامي-الإسلامي في القاهرة.

back to top