مرافعة: الضبط والإحضار ومعوقات التنفيذ!
التعديلات التشريعية التي أصدرها مجلس الوزراء، أمس الأول، على قانون المرافعات، والتي شملت عودة إجراءات حبس المَدين، تضمَّنت العديد من الحالات التي من شأنها أن تُعيد للدائن الحق في الحصول على دَينه قِبل المَدين، ومنعه من التصرُّف في أمواله تهرباً من سداد ديونه.
كما تضمَّنت تلك التعديلات منح إدارة التنفيذ- ممثلة بقضاة التنفيذ، العديد من الصلاحيات التي تسمح بتتبع الدَّين، ومخاطبة الجهات الرسمية والخاصة لبيان أملاك وأصول المَدين، فضلاً عن منح الدائن الحق في الاعتراض على تهريب المَدين لأصوله، ووقف تلك التصرُّفات عبر إشراف إدارة التنفيذ.
ومثل تلك المعالجات التي أوردها المشرِّع في التعديلات تشير إلى الشعور بتدهور عملية تنفيذ الأحكام القضائية المدنية والتجارية، وتراجعها إلى حد التسبب في تراجع قيمتها، وأن تكون أشبه بالحبر على الورق، فهي لا تضمن حق الدائن استيفاء حقوقه، وبذات الوقت تسمح بتهرُّب المَدين عن الوفاء بحقوق الآخرين.
كما أن التعديلات التي صدرت في صلب القانون تستدعي من وزارة العدل- ممثلة بإدارة التنفيذ، العمل على إدخالها حيِّز التنفيذ، مع ضرورة الاستعداد الكامل لذلك الإنفاذ التشريعي، بما يواكبه من جاهزية إدارات التنفيذ ومكاتبها الفنية في اعمال الأحكام الحديثة للتشريع، بما يضمن فاعلية تلك الأحكام، وسهولة تنفيذها، وهو ما يستدعي من الوزارة توفير الدعم الكامل لإدارة التنفيذ بالكوادر القانونية والفنية المتخصصة لأداء أعمالها على أكمل وجه.
كما أتمنى من فريق المستشارين في الإدارة العامة للتنفيذ، وعلى رأسهم وكيل محكمة الاستئناف المستشار عبدالله العثمان، بعد أن يضعوا الآليات المناسبة لإدخال التعديلات حيِّز التنفيذ، أن يُشرفوا على وضع التعليمات الخاصة بكيفية اتخاذ إجراءات الضبط وحبس المَدين، وألا تكون الإجراءات صورة متكررة من الأوضاع التي كانت تتبع قبل إلغاء إجراءات الضبط والإحضار، وذلك من حيث تقديم طلبات حبس المَدين وإجراءات ضبطه، والتي أشار إليها القانون بأنها مختلفة عن إجراءات حجز المتهمين في القضايا الجزائية، وكذلك بطريقة إجراءات عرض المَدين، ومطالبته بسداد دينه، حتى لو كانت على دفعات مُجزية تسهم في معالجة الدَّين، لأن المَدين ليس مجرماً حتى يتم تكبيله بـ»الكلبشات»، ووضعه في سيارات الشرطة الرسمية، واقتياده بصورة لا تليق مع آدميته، ولا مع إنسانيتنا، لأنه مطلوب لدَين مالي، والغاية من إجراءات الضبط والحبس تهدف إلى إكراهه على السداد، ولم تكن غايتها النَّيل من كرامات الناس.
وأنا على ثقة تامة أن القائمين على القرار في إدارة التنفيذ لن يقبلوا بعودة تلك الممارسات، وسيحرصوا على أن تكون إجراءات الضبط والعرض للمدينين مُحاطة بسياج من الضمانات والاحترام والخصوصية لطبيعة الدَّين المدني، وبما يليق مع حقوق الناس وآدميتهم.
كما أن ليس كل مَدين محتالاً ومتهرِّباً من سداد الديون، ويخفي أصوله عن دائنيه، وإنما هناك فعلاً متعثرون ومعسرون مالياً تعرفهم إدارة التنفيذ، وتُشرف سنوياً مع الجهات الخيرية على مساعدتهم، وفك كُرباتهم وضيقتهم المالية، ولا توجد فائدة من حبسهم!
ومن جانب آخر، فإن التعديلات، وإن كفلت قدراً كبيراً من الإجراءات لمصلحة الدَّين في استيفاء دينه، فإن فاعلية تلك الإجراءات مرهونة بقوة وفاعلية الإدارات المعنية مجتمعة بإدخالها حيِّز التنفيذ.
كما أن القانون كفل للمَدين المعسر والمتعثر حق التظلم من قرارات إدارة التنفيذ بالحبس حال تجاوزها للضوابط والشروط التي أوردها المشرِّع في التعديل، شريطة أن يثبت المَدين عدم تحقق الحالات الموجبة لإجراءات الحبس في حقه، وعدم توافر شرائطها بما يؤكد سلامة المطالبة القضائية.