إعادة الضبط
أيام قليلة تفصلنا عن شهر الخير والبركة والسعادة التي يبسطها رمضان، كعادته، على القلوب، وتشعر طوال أيامه المباركة براحة وطمأنينة وصفاء، بعيداً عن كل ما يعكِّر الأجواء، خصوصاً أنه سيكون فرصة كبيرة لاجتماع الأُسر على موائد واحدة، والتقاء الأقرباء والأصدقاء الذين لم يجتمعوا لأشهر، بسبب الانشغالات المستمرة، والظروف الحياتية اليومية، والمسؤوليات المختلفة. رمضان البركة هو فرصة أيضاً لترويض الأنفس التي غفلت لأشهر أو لأيام عن الكثير من الالتزامات الدينية والأخلاقية والقيم والمبادئ والأعراف، التي يُفترض أن تكون جزءاً لا يتجزأ منا ونحن نعيش في مجتمعات مسالمة تسعى للخير دائماً، وهو ما سينعكس ونشهده في موائد الإفطار الممتدة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، سواء في الداخل أو الخارج.
والأهم من ذلك، أنه يجب التوقف عند أهم نقطة، وهي الالتفات إلى قضية الإسراف، التي تمتاز بها بعض الموائد التي يكون نهايتها الحاويات، فضلاً عن تدافع البعض على الأسواق والجمعيات، مما يسبِّب الزحام والربكة، خصوصاً في اليوم الأول من الشهر الفضيل، أو ما يسبقه بأيام قليلة، وكأن الأطعمة ستتلاشى وتختفي طالما لم يتسارعوا لذلك.
الصيام عبادة، وليست عادة، وبالتالي هي عملية دينية وتعليمية على كيفية التحمُّل والصبر، وبالتالي يجب ألا تتهافت الأنفس وكأنها في سباق مع الزمن عند الإفطار، حتى لا يُصاب البعض بالتخمة، وغيرها من الأعراض، إضافة إلى أنه من المهم التهيؤ والاستعداد لهذا الشهر الفضيل، من خلال تطوير أخلاقيات البعض في كيفية حُسن التعامل مع الآخرين، وتهذيبها، بدلاً من أن يتحوَّل البعض إلى قنابل متناثرة تُلحق الضرر بمَنْ حولها، بحجة أنه صائم، فهناك بعض الموظفين الذين يُصبح تعاملهم صعباً جداً، وبعض قائدي المركبات يُصبحون أشبه بالوحوش التي تنهش كل مَنْ يقترب منها، وغيرهم ممن يجعلون الصيام ذريعة لسلوكهم السيئ، وآخرون يجعلون الوسائد والنوم المتواصل، الذي قد يصل إلى موعد الإفطار، حُجة وذريعة لقضاء فترة الصيام.
والسؤال: كيف يشعر هؤلاء بالعبادة طوال الشهر الفضيل، خصوصاً أنهم يحرصون على أن تكون إجازتهم عن العمل طوال هذا الشهر الفضيل، لعدم قدرتهم على تحمُّل الصيام أثناء فترة الدوام، بساعاته المعدودة، والتي لا تكاد تُذكر؟
إن هذا الشهر المبارك فُرصة لإعادة ضبط النفس، وانعكاس العبادة على أخلاق الصائمين وسلوكهم، حتى لا يخدشوا صيامهم، ويصبح مجرَّد صوم عن الأكل، وليس عبادة.
آخر السطر:
مبارك عليكم الشهر مُقدماً.