سورية بين دستورين!
«نحن ممثلي الشعب السوري العربي، المجتمعين في جمعية تأسيسية بإرادة الله ورغبة الشعب الحر، نعلن أننا وضعنا هذا الدستور لتحقيق الأهداف التالية: إقامة العدل على أسس متينة، حتى يضمن لكل إنسان حقه دون رهبة أو تحيّز، وذلك بدعم القضاء وتوطيد استقلاله في ظل حكم جمهوري ديموقراطي حر، وضمان الحريات العامة الأساسية لكل مواطن، والعمل على أن يتمتع بها فعلا في ظل القانون والنظام، لأن الحريات العامة هي أسمى ما تتمثل فيه معاني الشخصية والكرامة والإنسانية».
هذه مقدمة دستور الجمهورية السورية الصادر في 5 سبتمبر سنة 1950، ويَعد الدستور بتحرير المواطنين من ويلات الفقر والمرض والجهل والخوف، وتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية العامل والفلاح، وتوصيل كل مواطن إلى خيرات الوطن، ويَعد الدستور في هذه المقدمة الرائعة بـ «تقوية الشخصية الفردية وتثقيفها، حتى يشعر كل مواطن أنه المسؤول الأول عن سلامة الوطن، وأن الوطن هو الحقيقة الخالدة، الباقية، وأن السوريين أمناء عليه.
ولما كانت أغلبية الشعب تدين بالإسلام، فإن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثُله العليا.
بعد هذه المقدمة يؤكد دستور 1950 في مادته الأولى أن «سورية جمهورية عربية ديموقراطية نيابية والسيادة للشعب، وتقوم السيادة على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب، ودين رئيس الجمهورية الإسلام، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها».
ويؤكد الدستور السوري لعام 1950 في «فصل المبادئ الأساسية» أنه «لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة»، و«لا يحق للسلطات الإدارية توقيف أحد احتياطيا إلا بموجب قانون، وحق الدفاع مصون في جميع مراحل التحقيق»، و«السجن دار عقوبة، وهو وسيلة لإصلاح المجرم وتربيته».
وتقول المادة 12 إن «المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في حالة الجرم المشهود، أو بإذن من صاحبها، أو بموجب أمر قضائي».
وتقول المادة 14 إن «الدولة تكفل حرية الرأي، ولكل سوري أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير»، وتقول المادة نفسها «لا يؤاخذ فرد على آرائه، إلا إذا تجاوز الحدود المعينة في القانون».
وتقول المادة 15 «الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون، وللسوريين حق الاجتماع والتظاهر بصورة سلمية، وحق تأليف الجمعيات على ألا يكون هدفها محرما».
وتعطي المادة 18 السوريين «حق تأليف أحزاب سياسية غاياتها مشروعة ووسائلها سليمة وذات نظم ديموقراطية».
وفي المجال الاقتصادي، جاء في إحدى المواد أن الدولة «تشجع على إنشاء الجمعيات التعاونية وتقوم بمراقبتها» ومنعت المادة 23 «المصادرة العامة في الأموال»، ولكنها أجازت المصادرة الخاصة بقانون لضروريات الحرب والكوارث العامة. وجاء في الدستور أن تعليم الدين «يكون إلزاميا لكل ديانة وفق عقائدها».
وعن السلطة التشريعية، تقول المادة 35 «يتولى السلطة التشريعية مجلس النواب، ومدة المجلس أربع سنوات كاملة، والنائب يمثّل الشعب كله، والناخبون والناخبات هم السوريون والسوريات الذين أتموا الثامنة عشرة، ولكل سوري أن يرشح نفسه للنيابة إذا توافرت فيه شروط الناخب، وكان متعلماً ومتمماً الثلاثين من عمره.
و«يعتبر المجلس في حالة انعقاد دائم»، ويتمتع النواب بالحصانة، ولا يجوز توقيفهم إلا في حالة الجرم المشهود.
ويلزم القسَم بالإخلاص لدستور البلاد، و«العمل لتحقيق وحدة الأقطار العربية».
وتعطي المادة 65 لكل نائب حق توجيه الأسئلة إلى الحكومة والاستجوابات، وتعتبر المادة 70 رئيس الجمهورية «رئيساً للدولة»، وينتخب من قبل مجلس النواب بالتصويت السري، حيث يجب أن يفوز بأكثرية ثلثي مجموع النواب، ومدة الرئاسة خمس سنوات و«لا يجوز تجديدها إلا بعد مرور خمس سنوات كاملة على انتهاء رئاسته، وعلى الرئيس أن يقسم أمام مجلس النواب باحترام الدستور، وأن يعمل على تحقيق وحدة الأقطار العربية».
ويتحدث الفصل الخامس من دستور 1950 عن «المحكمة العليا»، حيث يعين قضاة الحكم بقرار من مجلس القضاء الأعلى، ولهذا المجلس حق الترقية والنقل والتأديب والعزل.
ويتضمن الدستور في الفصل العاشر مجموعة من «أحكام انتقالية»، حيث تنص المادة 158 على «تحضير البدو»، وضرورة «وضع قانون خاص»، يرعى التقاليد البدوية بين البدو الرحّل ويحدد العشائر التي تخضع لأحكامه ريثما يتم تحضيرهم».
وتطالب المادة كذلك بأن «يوضع في قانون الانتخاب أحكام مؤقتة خاصة بانتخابات البدو الرُّحل تراعى فيها أوضاعهم من حيث السجل المدني وكيفية التصويت».
وقد صدر الدستور بدمشق في 23 ذي القعدة 1369 هـ - 5 أبريل 1950، وكان رئيس الجمعية التأسيسية رشدي كيخيا.
(المصدر كتاب: «دساتير العالم العربي - إعداد جواد ناصر الأربش المحامي بدولة الكويت 1972 من مطبعة مقهوي).
***
صدر دستور الجمهورية العربية السورية الحالي في 13/ 3/ 1973 في عهد الرئيس حافظ الأسد، وكان يعمل به طبعا في عهد ابنه الرئيس بشار الأسد (انظر الدساتير العربية النافذة، د. نعمان عطا الله الهيتي، دمشق 2007).
يتحدث الفصل الرابع من هذا الدستور عن «الحريات والحقوق» للشعب السوري!
والآن وقد عرفنا عن أحوال الشعب السوري و«حرياته» ما عرفناه بعد إسقاط نظام الأسدين، لنلقِ نظرة على بعض مواد هذا الفصل، ونتصور الأهوال التي عاش في ظلها الشعب السوري على امتداد نصف قرن.
الحريات والحقوق والواجبات العامة
المادة 25
1 - الحرية حق مقدس، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2 - سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3 - المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4 - تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
المادة 26
لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وينظم القانون ذلك.
المادة 27
يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون.
المادة 28
1 - كل متهم بريء حتى يُدان بحكم قضائي مبرم.
2 - لا يجوز تحرّي أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون.
3 - لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
4 - حق التقاضي وسلوك سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون.
ولا يبقى بعد هذا سوى القول «صدّق... أو لا تصدق»!