ضرائب ترامب النفطية تضخّم أسعار المستهلكين في أميركا

• خبراء لـ «الجريدة•»: ينتج عنها تراجع عوائد الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة

نشر في 18-02-2025
آخر تحديث 17-02-2025 | 19:20
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
أكد عدد من خبراء النفط أن فرض الرئيس الأميركي ضرائب على نفط بعض الدول المصدّرة، فضلاً عن مطالبته بخفض أسعار الخام، قد يؤدي إلى عجز في ميزانيات بعض دول الخليج، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط إذا ما انخفضت الأسعار إلى ما دون مستوى «سعر التعادل»، أي 65 دولاراً للبرميل، لافتين إلى أن دول الخليج قد تلجأ إلى الصناديق السيادية أو الاقتراض (كما حدث خلال أزمة 2014 - 2016). وأوضحوا أن هذا بدوره قد يتسبب في تباطؤ رؤى التنويع الاقتصادي لبعض دول الخليج، فضلاً عن أنها قد تلجأ إلى إصلاحات ضرائبية لتعويض الفجوة. وقال الخبراء، في تحقيق لـ «الجريدة»، إن خفض أسعار النفط قد يضر بصناعة النفط الصخري بالولايات المتحدة، الذي تبلغ كلفة إنتاج البرميل منه ما يتراوح بين 70 و80 دولاراً، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع صناعة النفط الصخري الأميركي. وأضافوا أن توقّف الحرب الروسية - الأوكرانية قد يُعجل برفع العقوبات عن صادرات النفط الروسي، مما يزيد المعروض العالمي (روسيا تنتج 10 في المئة من النفط العالمي)، لافتين الى أن هذا، بدوره، قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ (قد تصل إلى 50 - 60 دولاراً للبرميل أو أقل)، خصوصاً إذا عادت الصادرات الروسية كاملةً، لاسيما مع ضعف الطلب العالمي بسبب التباطؤ الاقتصادي، مبينين أنه في هذه الحالة قد تقوم «أوبك» بخفض الإنتاج لموازنة الهبوط، لكنّ تأثيرها قد يكون محدوداً أمام زيادة المعروض الروسي، إلا إذا تعاونت روسيا مع «أوبك +»، وحينها قد نلمس توازناً في السوق والأسعار... وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال الخبير والمحلل النفطي كامل الحرمي إن الولايات المتحدة الأميركية تستورد من كندا نحو 4 ملايين برميل نفط يوميا، لافتا الى أن فرض الضرائب والرسوم على كندا وغيرها من الدول؛ مثل الصين التي ذكرها الرئيس الأميركي ترامب، سوف يؤثر سلبيا على الداخل الأميركي والعالم بشكل عام من حيث التضخم، لافتا الى أن تلك الفكرة غير منضبطة، لكونه يبحث في الوقت نفسه عن خفض الأسعار داخل بلاده، وهو ما يتنافى مع فكرة الضرائب التي يبحث عنها.

كامل الحرمي: مطالبة ترامب بخفض أسعار النفط تضر بصناعة النفط الصخري الأميركي

وأضاف الحرمي أن ترامب يطالب أيضا دول منظمة أوبك بتخفيض أسعار النفط، رغم أن المنظمة من الأساس لديها فائض بكمية تبلغ نحو 6 ملايين برميل لا تعرف كيف تصرّفها.

سلاسل الإمدادات

وأشار الى أنه إذا نجح ترامب في وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، فسوف يؤدي ذلك الى خفض أسعار النفط طواعية، لأن سلاسل الإمدادات ستكون سلسلة من دون وسطاء.

ولفت الى أن خفض أسعار النفط قد يضر بصناعة النفط الصخري في بلاده، الذي تبلغ كلفة إنتاج البرميل منه ما يتراوح بين 70 و80 دولارا للبرميل، وهو ما قد يؤدي الى تراجع صناعة النفط الصخري الأميركي.

خفض الاستثمارات

من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة مجموعة الشموخ لخدمات النفط بالإمارات، د. علي العامري، إن تأثير الرسوم والضرائب الأميركية على أسعار النفط على المديين المتوسط والبعيد، إذا فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على واردات النفط، قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار محليًا بسبب تقليل الاعتماد على الواردات. ومع ذلك، قد تزيد الإنتاجية المحلية (مثل النفط الصخري) لتعويض النقص، مما قد يحدّ من ارتفاع الأسعار عالميًا.

علي العامري: الضرائب المرتفعة على شركات النفط تؤدي إلى خفض الاستثمارات في الإنتاج

وأضاف: قد تؤدي الضرائب المرتفعة على شركات النفط إلى خفض الاستثمارات في الإنتاج، مما يقلل العرض ويدعم الأسعار، لافتا إلى أنه على المدى البعيد قد تعزز هذه السياسات تحوّل الولايات المتحدة إلى الاكتفاء الذاتي النفطي، مما يقلل من تأثيرها على الأسعار العالمية وتأثير نفوذ «أوبك» على أسعار النفط.

واستطرد العامري قائلا: لكن فرض ضرائب استهلاكية (مثل ضريبة الوقود) قد يخفض الطلب المحلي، ويُضعف الأسعار عالميًا. ويمكن أن تؤدي الرسوم والضرائب المفروضة من قبل الحكومة الأميركية إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل، مما قد يرفع الأسعار على المديين المتوسط والطويل، مضيفا أنه على الرغم من ذلك، فإن تأثيرها يعتمد أيضًا على عوامل أخرى؛ مثل العرض والطلب العالميين وأسعار النفط العالمية.

سعر التعادل

ولفت إلى أن بعض دول الخليج تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط وانخفاض الأسعار، وقد يؤدي ذلك إلى عجز في الميزانيات إذا هبطت تلك الأسعار دون مستوى «سعر التعادل»، أي 65 دولارًا للبرميل، لافتا الى أن دول الخليج قد تلجأ إلى الصناديق السيادية أو الاقتراض (كما حدث خلال أزمة 2014 - 2016)، وهذا بدوره قد يتسبب في تباطؤ رؤى التنويع الاقتصادي لبعض دول الخليج، فضلا عن أنها قد تلجأ الى إصلاحات ضرائبية لتعويض الفجوة.

تراجع العوائد

في الخلاصة، فإن التأثير سيكون غير مباشر، لكنه موجود، ولن تؤثر الضرائب الأميركية بشكل مباشر على اقتصادات الخليج، لكنّها قد تؤثر عبر انخفاض أسعار النفط وتباطؤ الاقتصاد الأميركي.

وهذا بدوره سينتج عنه تراجع عوائد الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة.

وحول تأثير خفض أسعار السلع في أميركا على الدول الأخرى، قال العامري: إذا دعا ترامب لخفض أسعار السلع عبر تخفيض الرسوم والضرائب، فإن ذلك بطبيعة الأمر قد يؤدي إلى انخفاض تكلفة الواردات، وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للمستهلك الأميركي، موضحا أن هذا قد يؤثر سلباً على بعض الدول التي تعتمد على تصدير تلك السلع لأميركا، وقد يتسبب في تراجع صادراتها.

وأشار العامري إلى انعكاس انخفاض أسعار النفط على شركات النفط الصخري ومعارضة ترامب، فهناك تأثير مباشر، ونعرف أن تكاليف إنتاج النفط الصخري مرتفعة (بين 40 و60 دولارًا للبرميل)، فإذا انخفضت الأسعار دون هذا الحد، فقد تُجبر الشركات على تخفيض الإنتاج أو الإفلاس.

وقال: إذا عارضت الشركات سياسة ترامب وإذا أدت سياساته (مثل دعم إنتاج النفط التقليدي أو تخفيف العقوبات على إيران أو روسيا)، فستؤدي إلى فيضان المعروض النفطي العالمي، وستعارضه شركات النفط الصخري لحماية أرباحها. لكن إذا دعمها عبر إعفاءات ضريبية أو دعم تقني، فقد تحجم عن المعارضة.

وحول احتمالية توقّف الحرب الروسية - الأوكرانية، فقد لفت العامري الى أن إنهاء الحرب قد يُعجل برفع العقوبات عن صادرات النفط الروسي، مما يزيد المعروض العالمي (روسيا تنتج ~10 بالمئة من النفط العالمي).

وهذا بدوره قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ (قد تصل إلى 50 - 60 دولارًا للبرميل أو أقل)، وخاصة إذا عادت الصادرات الروسية كاملةً، خاصة مع ضعف الطلب العالمي بسبب التباطؤ الاقتصادي، مبينا أنه في هذه الحالة قد تقوم «أوبك» بخفض الإنتاج لموازنة الهبوط، لكن تأثيرها قد يكون محدودًا أمام زيادة المعروض الروسي، إلا إذا تعاونت روسيا مع «أوبك بلس» وحينها قد نرى توازنا في السوق والأسعار، مشيرا الى أن التأثير الدقيق يعتمد أيضاً على كيفية تطور العلاقات الجيوسياسية وسلوكيات المستهلكين والأسواق العالمية بعد النزاع.

أسعار البنزين

من ناحيته، قال الخبير النفطي د. خالد بودي إن تأثير الزيادة في الرسوم الجمركية الأميركية على أسعار النفط العالمية محدود، ولكن يمكن أن تتأثر أسعار البنزين المبيع إلى المستهلكين في الولايات المتحدة، إذا شملت الزيادة في الرسوم النفط المستورد.

خالد بودي: رفع الحظر على النفط الروسي لن يُحدث الفرق نتيجة ارتباط روسيا بتجمّع «أوبك +» والتزامها بالحصص

وأضاف أنه بالنسبة لتأثير أسعار النفط على موازنات دول الخليج العربي، فلا شك في أن هنالك تأثيرا مباشرا لانخفاض أسعار النفط على هذه الموازنات، حيث يمثّل النفط مصدر الدخل الرئيس لمعظم هذه الدول، ويلاحظ أن بعض دول الخليج بدأت أخيرا بتنويع اقتصادها ومصادر دخلها بعيدا عن النفط، بهدف تخفيف آثار التذبذب في أسعار النفط على إيراداتها، وبهدف التقليل من مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للدخل.

وأشار إلى أن الزيادة في الرسوم الجمركية الأميركية قد تؤدي إلى زيادة الأسعار والتضخم، وبالتالي، فإن هذه الزيادة تتعارض مع جهود خفض الأسعار والسيطرة على التضخم بالولايات المتحدة، وفيما يتعلق بالدول المصدرة إلى الولايات المتحدة، فهذه الزيادة في الرسوم غير مُرحّب بها، حيث تؤدي إلى انخفاض صادراتها إلى أميركا نتيجة احتمال ابتعاد الكثير من المستهلكين عن شراء بضائعها بسبب ارتفاع الأسعار، لافتا الى أن انخفاض أسعار النفط قد يؤثر على صناعة النفط الصخري بدرجة أكبر من تأثير انخفاض الأسعار على إنتاج النفط الخام التقليدي، حيث إن تكلفة الإنتاج للنفط الصخري قد تصل إلى ضعف تكلفة إنتاج النفط الخام، أو ربما أكثر من ذلك، وبالتالي فإن شركات النفط الصخري سوف تكثف جهودها لإقناع الإدارة الأميركية حتى تخفف من خطواتها الرامية لخفض أسعار النفط لحماية تلك الصناعة، وحتى لا يفقد الكثيرون من العاملين في صناعة النفط الصخري وظائفهم نتيجة توقّف بعض الشركات العاملة في هذه الصناعة عن العمل، بسبب انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تحقيق خسائر لهذه الشركات، علما بأن صناعة النفط الصخري الأميركية والصناعات المرتبطة بها يعمل بها ما يزيد على مئة ألف شخص.

وحول تأثير توقّف الحرب بين أوكرانيا وروسيا على أسعار النفط، ذكر بودي أنه في حال رفع الحظر على النفط الروسي لن يحدث الفرق في الأسواق، نتيجة ارتباط روسيا بتجمّع «أوبك +» والتزامها بالحصص التصديرية لها ضمن هذا التجمع. وبالتالي قد لا تتأثر أسعار النفط كثيرا نتيجة توقّف الحرب.

ضرائب جمركية

بدوره، قال خبير شؤون الطاقة، د. أنس الحجي، إن وسائل الإعلام ووسائل التواصل ضجت بخبر فرض ترامب ضرائب جمركية على الواردات من حلفاء الولايات المتحدة وجيرانها كندا والمكسيك، إذ فرض 25 بالمئة على الواردات و10 بالمئة على النفط، واستثنى واردات الغاز الطبيعي.

أنس الحجي: أنصار ترامب يروجون شائعات بأن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط الكندي

في المقابل، ردّت كندا بفرض 25 في المئة ضرائب جمركية على 155 مليار دولار من بضائع مختارة استراتيجياً للضغط على ترامب، بينما تحضّر المكسيك لائحة بالبضائع التي سيتم فرض رسوم جمركية عليها، على أن تستثني قطاع السيارات.

وأضاف: تستورد الولايات المتحدة نحو 4 ملايين برميل يومياً من كندا، وهذا يمثّل أكثر من 60 في المئة من واردات النفط الخام الأميركية. ويعود خفض ترامب للضرائب الجمركية على النفط من 25 إلى 10 بالمئة إلى الخوف من ارتفاع كبير في أسعار النفط أو قيام كندا بالرد بخفض صادرات النفط.

وينشر أنصار ترامب 3 إشاعات مفادها أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط الكندي بسبب أن: 1- زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط ستعوض عن النفط الكندي.

2- الحصول على النفط من مصادر أخرى للتعويض عن النفط الكندي.

3- الأثر في أسعار المنتجات النفطية محدود جداً.

ولفت الى أن كل هذه الإشاعات تتناقض مع الواقع، ويتضح من وضع الأسواق اليوم أنها «بروباغندا» فاشلة.

وأشار الحجي الى أن الولايات المتحدة لا يمكنها تعويض الإنتاج للأسباب التالية: 1- الكمية كبيرة: لا يمكن بأية حال من الأحوال زيادة الإنتاج بمقدار 4 ملايين برميل يومياً، وخاصة في ظل معدلات النضوب العالية في آبار الصخري.

2- نوعية النفط: غالب إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، وما ينتج من النفط الصخري خفيف حلو، وغالب ما يستخرج منه المواد الخفيفة، مثل البنزين وأنواع من وقود الطائرات والنافثا والسوائل الغازية. النفط الكندي المستورد متوسط حامض أو ثقيل حامض، وينتج الديزل والمنتجات الثقيلة، لهذا، فإن غالب الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة، إن حصلت، لن تحل محل النفط الكندي بسبب النوعية.

3- الموقع الجغرافي: غالب النفط الكندي يكرر في مصافٍ بمنطقة الغرب الأوسط في ميشيغان ووسكانسن والولايات التي حولها، وهي ولايات غير نفطية. أي زيادة في الإنتاج ستكون في مناطق بعيدة مثل خليج المكسيك أو كاليفورنيا أو ألاسكا، ولا يمكن إيصال النفط إلى منطقة الغرب الأوسط، لهذا لا يمكن لزيادة الإنتاج الأميركي أن تعوض عن النفط الكندي.

ترويج الإشاعات

وقال: أتباع ترامب يروجون إشاعة مفادها أنه يمكن استيراد النفط من دول أخرى، ويذكرون فنزويلا، ولكن هذا غير ممكن للأسباب التالية: 1- الكمية كبيرة: لا توجد أية دولة في العالم لديها فائض طاقة إنتاجية بمقدار 4 ملايين برميل يومياً، ولا يمكن لفنزويلا أن تنتج هذه الكميات، حتى بعد أعوام من الآن، وحتى لو أنها أنهت كل مشكلاتها السياسية والمالية والاقتصادية.

2- نوعية النفط: النفط الكندي ثقيل حامض ومتوسط حامض، وكل الموجود حالياً حول العالم بحدود 1.5 مليون برميل يومياً، ولكن هذا يحتاج إلى نحو 4 أشهر لوصوله إلى الأسواق الأميركية إذا وافقت هذه الدول على زيادة الإنتاج، وهذه فترة طويلة كافية لإفلاس بعض الشركات وحصول ركود اقتصادي في أميركا الشمالية، لهذا سيكون هناك 2.5 مليون برميل يومياً لا يمكن تعويضها. المشكلة أن كلفة هذا النفط ستكون أعلى من كلفة النفط الكندي، حتى لو كانت التعرفة الجمركية 25 في المئة! لهذا لن يكون هناك تعويض! 3- الموقع الجغرافي: وتبقى المشكلة، وهي كيفية إيصال النفط إلى منطقة الوسط الغربي في الولايات المتحدة، لا توجد طريقة، ومن ثم لا يمكن التخلي عن النفط الكندي.

back to top