غزة تواجه ترامب

نشر في 16-02-2025
آخر تحديث 15-02-2025 | 18:17
استخدم الرئيس ترامب عناوين ومفاهيم مضللة من أجل إقناع الأميركيين بصحة قراره تهجير سكان قطاع غزة.
 أ. د. فيصل الشريفي

منذ نشأة الكيان الصهيوني، ورغم ضخامة الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان في حق الفلسطينيين، ورغم تعاقب الرؤساء والأحزاب على مجلسَي الشيوخ والنواب بالولايات المتحدة الأميركية، فإن موقفها الداعم لهذا الكيان ثابت، وعلى كل المستويات، السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، إلا أن الرئيس دونالد ترامب تجاوز هذا السقف في مطالبات علنية لم يسبقه إليها أحد، من دون أن يضع أي اعتبار لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على تراب وطنهم، ومن دون أي اعتبار للدول العربية والإسلامية التي تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

ترامب هو أول رئيس ينقل سفارة بلاده للقدس، وأول رئيس يطالب بترحيل سكان غزة إلى الأردن ومصر والسعودية، وهو أيضاً الرئيس الذي يرى أن لدى إسرائيل الحق في التوسع على حساب الجغرافيا العربية.

من الواضح أن الرئيس ترامب يمارس الصهيونية أكثر من حزب الليكود، فلسان حاله ينطق بما قد عجز عنه رئيس الوزراء نتنياهو، الذي فشل في تحقيق أي من لاءاته التي اشترطها لوقف عدوانه السَّافر على القطاع، أو كأنه تناسى صمود وعزيمة وثبات أهل غزة، رغم مشهد الدمار الذي أقرَّ به هو نفسه، وجعل منه حجة لتهجير سكان القطاع.

سأعود إلى الوراء قليلاً، وتحديداً لعام 1948، وإلى الفخ الذي وقعت فيه الدول العربية والإسلامية عندما قامت إسرائيل بطرد 700 ألف فلسطيني من وطنهم، وفي المقابل استقبلت 800 ألف يهودي كانوا يعيشون في بعض الدول العربية والإسلامية، ليشكِّلوا بعد ذلك أكثر من نصف تعداد سكانها حينذاك، ما مكَّن الكيان الصهيوني من تغيير المُعادلة السكانية، وتأسيس جيش قوي عقيدته الانتقام من العرب والمسلمين.

رغم تقمُّص الولايات المتحدة لعب شخصية الوسيط النزيه في النزاعات الإقليمية، فإن إصرار الرئيس ترامب على تهجير سكان غزة سوف يؤدي إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، وتقويض السِّلم الوطني، خصوصاً بين الدول العربية التي يريد تهجير سكان غزة إليها، كما أنها دعوة سوف تنسف كل مبادرات السلام التي تنص على حق إقامة الدولة الفلسطينية.

من عجائب الرئيس ترامب، إصراره على تهجير سكان القطاع تحت عناوين مضللة، فتارةً يؤمل الأميركيين بعوائد مالية ضخمة وفرص وظيفية كبيرة، وتارةً أخرى يَعِد سكان القطاع بحياة كريمة مرفهة في حال قبولهم للعيش خارج وطنهم، بدلاً من الجحيم الذي يعيشونه، ناسياً ومتجاوزاً على الحقيقة، بأنه لولا الدعم الأميركي ودعم حلفائها لما عاشوا هذا الجحيم.

من الواضح أن ترامب يريد فرض أجندته على الدول العربية، من خلال مطالبة مصر والأردن والسعودية بقبول هجرة سكان غزة إليها خلال التلويح بفرض عقوبات اقتصادية عليها، والترويج لفكرة أن أمنها مرتبط بالدعم الأميركي لها.

الخلاصة، ترامب لن يستطيع تمرير خطته، وأن حيلة التهجير لن تنطلي على أبناء غزة، الذين قدَّموا الغالي والنفيس، وبعد أن صمدوا ضد أكثر جيوش العالم وحشية، فالأرض أرضهم، ومَنْ سيُهجَّر هم الدخلاء، وليس أبناء الأرض.

نقطة أخيرة تخص بعض المتحذلقين من كُتاب ومحللين ومشاهير التواصل الاجتماعي، وأصحاب اللحى الزائفة، نقول: اصمتوا، فأنتم كالأنعام، بل أضل منها، ولن ينفعكم تحذلقكم عندما تقفون أمام الله يوم القيامة، والأيام كفيلة بكشف عوراتكم، لا سترها الله.

ودمتم سالمين.

back to top