طالبٌ زادُهُ الخيالُ

محمد العقيل

نشر في 14-02-2025
آخر تحديث 13-02-2025 | 18:26
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

إن دراسة أي مادة في المدارس تنطلق من أبعاد تربوية وتعليمية، وإذا لم يُدرك الطالب مدى أهمية تعلُّم هذه المواد، فلن يتجاوب معها، ولن يعطيها حقها، وإذا لم نبرز أهميتها لدى الطالب، فقد أفشلنا المادة قبل تدريسها.

فالمواد العلمية، كالرياضيات والفيزياء، ليست أرقاماً ورموزاً معقدة تحتاج إلى تفكيك وتحليل، بل هي طريقة من طُرق التفكير العلمي، المبني على خطوات دقيقة مدروسة، لإيجاد الجواب الصحيح بدقة عالية، لا مجال فيها للخطأ. وفي هذه الطريقة يتعلَّم الطالب كيف يتدرَّج خطوة بخطوة، وبعناية فائقة، للوصول إلى إجابة واحدة صحيحة لا ثانية لها، وأن أي نسيان أو غلطة في الخطوات الحسابية ستنسف لنا الإجابة الصحيحة، لذلك يجب على الطالب أن يهيئ نفسه مُسبقاً للتفكير بهذه الطريقة الآلية، التي لا تعتمد على تعدُّد الآراء، ولا التوفيق بين الخلافات، ولا الأخذ بالقول الأرجح.

بعكس دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية، التي تراعي الطبيعة البشرية. فالفلسفة، مثلاً، تعتمد على طُرق أخرى في التفكير واستنتاج الجواب، فهي تساعد الطالب على التجرُّد من القوانين، ومحاولة البُعد عن التحيُّز والدخول في عالم المنطق والفلسفة.

وحتى نعرف ما هي الفلسفة، ومَنْ هم الفلاسفة، وكيف ظهر هذا العلم وغيره من العلوم، لابد لنا من دراسة التاريخ، فالتاريخ عبارة عن استقراء حقبة زمنية من الماضي، بكل ما فيها من مميزات وعيوب. ودراسة التاريخ لها أيضاً نمط آخر في التفكير، فهي تنمِّي التفكير النقدي والتحليلي لدى الطالب، وتجعله أكثر اطلاعاً على أحوال الشعوب، وثقافاتهم وطباعهم. فالعِبرة تُؤخذ وتدرس من قصص السابقين، لا من وحي الخيال. أما الخيال ووحي الخيال، فتراه سامياً ومتصدراً في عالم الفنون الجميلة. والسؤال المهم: هل من الضروري تنمية الخيال عند أبنائنا الطلبة، أم الأولى أن نحصرهم في طرق تفكير علمية محدودة؟

يقول آينشتاين: «أنا فنان إلى الحد الكافي الذي يمكنني من رسم مخيلتي بحُرية. فالخيال أكثر أهمية من المعرفة، لأن المعرفة محدودة، في حين أن الخيال يحتضن العالم كُله، ويحفز التقدُّم، ويولِّد التطور».

في عالم الفن ينطلق الطالب في تفكيره إلى ما لا نهاية، فلا توجد إجابة واحدة يسعى الفصل كُله للعثور عليها! ولا توجد أسئلة تختبر قدرتك على الحفظ والتسميع. في عالم الفن الكل ينطلق بخياله، ويعبِّر عنه بأسلوبه الخاص، فلا توجد إجابة خاطئة في العمل الفني، ولا قوانين تلزمك بخطوات معينة. فالعمل الفني إما أن يكون جميلاً يسر العين، وإما أن يحتوي على معنى يشاغب العقل، ويجعله يتخيَّل. فالكل يتفرَّد بهويته وشخصيته، والفن يريدك أن تكون متفرداً، لا مقلداً.

أعزائي القراء، إن كل مادة تجعلك تفكِّر وتتأمل هي مادة تعليمية من الدرجة الأولى.

back to top