تاجر واشنطن بين شايلوك وهتلر
في ظل التوترات المستمرة بمنطقة الشرق الأوسط، والانتهاكات والعدوان المتوحش الذي يقوم به الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يبرز اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاستيلاء على غزة وبيعها لمستثمرين كأحد أكثر الأفكار استخفافاً بحقوق الشعوب وأوطانها والتي لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً. هذا الاقتراح لا يعكس فقط تجاهلاً للأبعاد الإنسانية والسياسية للقضية الفلسطينية، بل يُظهر أيضاً نظرة سطحية عنصرية وتطهيرية تُختصر فيها القضايا المصيرية للشعوب، لتتحول هكذا وبلا منطق أو دراية أو حكمة إلى مجرد صفقات تجارية بمسلك مشابه لتاجر البندقية أو التوجهات الاستعمارية الاستعلائية لهتلر.
عندما يتحدث ترامب عن شراء غزة، فإنه يتعامل مع سكانها كأرقام أو كسلع أو ربما أثاث متهالك أو ركام لأسمنت مهدوم يمكن نقله من مكان إلى آخر. هذا المفهوم يتجاهل تماماً الحقوق المشروعة للفلسطينيين وتاريخهم الطويل في أرضهم ووطنهم!
غزة ليست مجرد قطعة من الأرض تُباع وتُشترى، بل هي موطن لملايين البشر الفلسطينيين الذين يعانون الاحتلال الصهيوني المغتصب، وفي هذا المقترح تجاهل لحقوقهم في وطنهم المحرر بما له ولهم فيه من تاريخ وثقافة وحضارة عريقة.
إن اقتراح ترامب يُظهر عدم فهم عميقاً للتعقيدات التي تحيط بالصراع الفلسطيني - الصهيوني، ويحوّل الجزار الصهيوني إلى الضحية، ويجعل من الضحية مجرد رقم أو سلعة أو ركام، وهو يعكس رؤية تُعتبر قاصرة وغير منطقية ولا واقعية، بل استعمارية بغيضة.
الأكثر إشكالية هي فكرة ترحيل السكان. هل يُعقل أن يتم التعامل مع حياة البشر بهذه الطريقة؟ إن التفكير في ترحيل أهل غزة لمجرد تحقيق صفقة تجارية هو أمر لا يتنافى مع القيم الإنسانية الأساسية والأخلاق النبيلة والسلوك الحضاري المتمدن فقط، بل يتعداه ليبلغ مرحلة العدوان والاستصغار في التعامل مع مصير الشعوب والدول. ولا يمكن أن نقبل بمنطق ينقض مبدأ أن كل إنسان له حق في العيش بكرامة في وطنه، وليس مجرد رقم يُمكن نقله أو استبداله أو تشريده أو قتله.
بل، ما كان ينبغي أن يُقدم كمقترح هو إجلاء الصهاينة واليهود من دولة لها شعب وهي فلسطين، ليخرج منها شعب شتات لا محلّ له فيها، وليُعطه ترامب جزءاً من أراضي أميركا الشاسعة إذا رغب، أو ليعُد كل منهم إلى حيث أتى، وليكن معلوماً للجميع أن هذا هو مصيرهم عاجلاً أو آجلاً.
علاوة على ذلك، يشير هذا الاقتراح إلى استغلال الأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب شخصية أو تجارية. إن فكرة تحويل معاناة الناس في غزة إلى فرصة استثمارية تُظهر بوضوح مدى الانفصال عن الواقع الذي يعانيه الفلسطينيون في غزة. بدلاً من البحث عن حلول سلمية وعادلة، والتي أدناها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، يسعى ترامب إلى إدخال المنطق التجاري في قضية تتطلب العدالة والإنصاف والتعاطف والإنسانية.
باختصار، إن مقترح ترامب للاستيلاء على غزة وبيعها لمستثمرين يُعتبر فكرة سمجة وتستخف بالعقول والشعوب، وغير إنسانية. إن التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل تجاري يدل على عدم احترام لحقوق الشعوب، ويجعل من الضروري التفكير في حلول أكثر إنصافاً وواقعية وتؤدي للاستقرار والتنمية والازدهار، ولتكن غزة بقعة معمرة ومزدهرة بشعبها وأبنائها.