«شهر القراء»
ها هو شهر شعبان قد أهل علينا حاملاً إلينا نسائم الخيرات، وبشائر البركات، وكأنه ينبهنا إلى قرب رمضان، وينادي علينا بحسن الاستعداد له ويقول: «من أراد سعادة الدارين، والفوز في الحياتين، ورضا رب الكونين، فعليه باتباع هدي سيد الثقلين»، فماذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في شعبان؟
تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان» [أخرجه الشيخان].
وقد سأل سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب كثرة صيامه في شهر شعبان فأجابه بقوله: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» [الترمذي والنسائي].
قال ابن رجب: «ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن، ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن».
ونقل في لطائف عن السلف أنهم كانوا يكثرون قراءة القرآن جدا في شعبان تأهبا منهم لرمضان، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا «شهر القراء»، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.
فيستحب في هذا الشهر الصيام وقراءة القرآن والصدقات وإخراج الزكاة لإعانة المحتاجين للتفرغ للعبادة في شهر رمضان، وشرط الضرورة للقبول في كل الأيام والشهور هو تصفية القلوب.
ختاماً:
قال ابن باز رحمه الله: «بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة».
ويجدر التنبيه إلى أنه لا يوجد في ليلة النصف من شعبان صلاة تسمى صلاة البراءة، وبعضهم يسميها صلاة الألفية، لأنهم يقرأون فيها سورة الإخلاص ألف مرة في مئة ركعة، وهي صلاة مخترعة بكيفية مخترعة لم يأذن بها الله، ولم يرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ابتدعها قوم، ورووا في ذلك حديثا مكذوبا، واستحسنها بعض الجهال، ممن لا يعرفون السنن، ويقبلون على البدع.
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، ودمتم بخير.