النظام الانتخابي الأميركي هش... يمكنه تعلّم الكثير من البرازيل

نشر في 23-12-2022
آخر تحديث 22-12-2022 | 19:27
الانتخابات الرئاسية في البرازيل في 30 أكتوبر الماضي
الانتخابات الرئاسية في البرازيل في 30 أكتوبر الماضي
في مطلق الأحوال يجب ألا تمر الولايات المتحدة بما شهدته البرازيل لضمان أمن الانتخابات المحلية، بل يُفترض أن تكون أزمة عام 2020 كافية للتعامل مع الوضع بأفضل الطرق، ويجب أن تتعلم واشنطن دروساً كثيرة من جارتها الجنوبية، ولإدارة الانتخابات بالشكل المناسب، يُفترض بها أن ترفع شعار «النظام والتقدم».

خلال الأشهر التي سبقت جولة إعادة الانتخابات الرئاسية في البرازيل، في 30 أكتوبر، شكك الرئيس اليميني المنتهية ولايته، جايير بولسونارو، بنزاهة المؤسسات الانتخابية والمسؤولين الحكوميين في البلد، وكان يستعد لرفض هزيمته المحتملة في الانتخابات، لكن حين خسر جايير بولسونارو أمام لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، استبقت تلك المؤسسات أي تحرك مماثل ومنعت جميع محاولات إضعاف الثقة بنتائج الانتخابات، وبعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي، التزم بولسونارو الصمت.

خشية الانقلاب

بولسونارو ليس شخصية ضعيفة بأي شكل، فهو صارم ولاذع ووقح، ولطالما قارن نفسه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى غرار ترامب في عام 2020، أعلن بولسونارو سابقاً أنه لن يخسر هذه الانتخابات إلا عن طريق التزوير، فقد كان عدد كبير من المراقبين يخشى أن يستعمل الجيش لتنظيم انقلاب معيّن، لكنه لم يفعل، فبالنسبة إلى الولايات المتحدة، يشير امتناع بولسونارو عن التحرك بعد الانتخابات إلى المقاربة المناسبة لمنع نشوب أي خلاف آخر بعد انتخابات عام 2024.

آلية الانتخابات البرازيلية تبدو معاصرة مقارنةً بالولايات المتحدة لأن البرازيل تملك مجموعة من الأدوات التي تضمن شرعيتها

ويُعتبر النظام السياسي الأميركي غامضاً وبطيئاً ومربكاً، إنه جزء من تصميم البلد: أعدّ مؤسسو الولايات المتحدة دستوراً يهدف إلى التعبير عن إرادة الأغلبية عن طريق المجمع الانتخابي، وعبر السماح لكل ولاية وللكونغرس الأميركي بالتأكد من النتائج، ولهذا السبب، تشمل الولايات المتحدة نحو 4800 وحدة إدارية محلية، وتخضع كل واحدة منها لإدارة سياسية وتتحكم بالآلية الكامنة وراء احتساب الأصوات في صناديق الاقتراع، فقد خضع هذا النظام المعقد لتعديل بسيط مقارنةً بالنسخة الأصلية، وهو يعكس كره مؤسسي البلد للسيطرة المركزية، واليوم، تعني الشبكة المتداخلة من القوانين الانتخابية المحلية أن الانتخابات النصفية في نوفمبر الماضي لم تتوصل إلى نتيجة واضحة في الكونغرس إلا بعد أسبوع على الإدلاء بآخر صوت في صناديق الاقتراع.

قد يمنع النظام الانتخابي الأميركي أي مؤسسة فردية من فرض سيطرتها، لكن تأكد العالم في الفترة الأخيرة من سهولة تعرّضه للتلاعب (من جانب ترامب، وحتى حملات التضليل الخارجية، والجيوش الإلكترونية، وجهات أخرى). لم تكن هذه المظاهر شائعة في البرازيل، حيث يشمل هذا البلد فريقاً مقتنعاً بنظريات المؤامرة، ويشهد هذا المعسكر توسّعاً ملحوظاً في العالم المعاصر أصلاً، لكن مقارنةً بالولايات المتحدة، تبدو آليات الانتخابات البرازيلية معاصرة جداً، إذ تملك البرازيل مجموعة من الأدوات التي تضمن شرعية الانتخابات، وهي نشأت رداً على تحديات سابقة ضد الديموقراطية.

محكمة متخصصة

أولاً، أنشأت البرازيل محكمة متخصصة ومستقلة من الناحية الدستورية، وهي تستطيع أن تحلّ الخلافات الانتخابية وتحظى بدعم مكتب النيابة العامة المستقل.

ثانياً، يبدو النظام الانتخابي البرازيلي أكثر مركزية على المستوى الفدرالي، على عكس النظام الأميركي المتناثر.

أخيراً، يتعلق عامل أساسي بنظام التصويت الإلكتروني الذي يحتسب جميع الأصوات خلال ثلاث ساعات تقريباً ويصادق على النتائج سريعاً، قبل أن يتسنى لأحد أن يشكك بشرعية الاستحقاق.

رفعت ثلاثة أحزاب محافِظة دعوى قضائية تزعم أن خطأً برمجياً بسيطاً يستدعي إلغاء أصوات 60% من آلات التصويت، لكن رئيس الهيئة الانتخابية في البرازيل رفض تلك الشكوى، وفرض غرامات بقيمة 4.3 ملايين دولار على الأحزاب التي رفعت الدعوى، لا تُعتبر المحاكم البرازيلية محصّنة ضد تُهَم التسييس، فقد انتقدت قاعدة المحافظين الداعمة لبولسونارو الغرامات التي فرضتها المحكمة والتدابير الصارمة لتنظيم «الأخبار الكاذبة» التي تسيء إلى حملة بولسونارو أكثر من لولا.

قبل إنشاء النظام الانتخابي المستقل واجهت البرازيل اضطرابات عدة في الحُكم الديموقراطي وتحمّلت دكتاتورية عسكرية عقدَين من الزمن

قبل إنشاء النظام الانتخابي المستقل، واجهت البرازيل اضطرابات عدة في الحُكم الديموقراطي وتحمّلت دكتاتورية عسكرية طوال عقدَين من الزمن، وهو وضع لا يريد الأميركيون التعامل معه طبعاً، لكن من المفاجئ ألا يكون الجدل الذي أثاره ترامب حول انتخابات عام 2020، وحركة التمرد ضد مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، كافيَين كي يفكّر الديموقراطيون والجمهوريون بضرورة إصلاح النظام الانتخابي المحلي.

نظرياً، يُفترض أن يهتم الجمهوريون بهذا النوع من الإصلاحات أكثر من غيرهم، فلطالما شكك المسؤولون الجمهوريون بنتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2020، وطالبوا بإعادة احتساب الأصوات لأسباب مرتبطة بالأخطاء البشرية أو الميكانيكية، وتزوير الأصوات، وفقدان أوراق الاقتراع، ألن يكون النظام المركزي الذي يخلو من أوراق الاقتراع محبّذاً في هذه الحالة؟ عندما أجرت شركة «إبسوس» استطلاعات وسط الأميركيين قبيل الانتخابات النصفية لعام 2022، قال 74% من الجمهوريين إن الاحتيال «مشكلة شائعة» وعبّروا عن قلقهم من «تزوير الانتخابات»، وفي المقابل، حملت أقلية من الناخبين هذا الرأي في أوساط المستقلين والديموقراطيين.

نظام انتخابي فدرالي

يفضّل الديموقراطيون من جهتهم إنشاء نظام انتخابي فدرالي يلغي دور مختلف المؤسسات الحكومية والهيئات التشريعية التي يسيطر الجمهوريون على معظمها في الوقت الراهن، فعملياً، يُفترض أن يفضّل الحزبان اللذان يقاضيان خصومهما لاعتبار القوانين الانتخابية غير دستورية، أو لمعاقبة مرشّحي المعارضة والأحزاب على انتهاك قواعد الانتخابات، أن تشمل المحاكم قضاة غير مسيّسين للبت في هذه المسائل، وبهذه الطريقة، قد تنتهي تلك السلسلة اللامتناهية من دورات الاستئناف.

أخيراً، يسمح أي نظام فدرالي بتقليص موارد الأحزاب والدولة ككل، لأن الاستحقاقات الانتخابية تبقى مكلفة، ولن تحتاج الأحزاب والحركات السياسية حينها لإنفاق القدر نفسه من الأموال أو تخصيص وقت طويل لمراقبة مسار الانتخابات في خمسين ولاية، كذلك ستصبّ دولارات الضرائب التي يدفعها المواطنون في مؤسسة واحدة غير قابلة للاختراق ومحصّنة ضد الفساد.

تتطلب هذه العملية طبعاً تعزيز الثقة بالبيروقراطيين والمسؤولين البعيدين في واشنطن: هذا النوع من الأشخاص لا يحظى بثقة شريحة واسعة من الأميركيين، فوفق استطلاعات شركة «إبسوس»، يثق معظم الأميركيين من جميع الانتماءات السياسية بالمسؤولين المحليين عن الانتخابات (83% من الديموقراطيين، و58% من الجمهوريين)، وتقول أغلبيات واسعة إن أصواتها سيتم احتسابها بدقة عبر النظام المعتمد راهناً، فتُعتبر القوى الخارجية إذاً مصدر الفساد الأساسي، مما يعني أن أي نظام جديد يجب أن يقنع الناس بالعملية المركزية.

كذبة كبرى

لا يزال الأمل موجوداً في مطلق الأحوال، فرغم شيوع التقارير حول تصديق الجمهوريين «للكذبة الكبرى» المتعلقة بسرقة انتخابات عام 2020 من ترامب، يثق عدد إضافي من الجمهوريين باحتساب أصواتهم بدقة في عام 2022 (66%)، مقارنةً بنسبتهم قبل انتخابات عام 2020 (54%)، وفي آخر سنتين، نجحت التغطية الصحافية وعمليات التدقيق على الأرجح في إقناع ملايين الناس بمصداقية الانتخابات وآلياتها، فلنتخيل إذاً حجم الحملات الإعلانية المرتقبة إذا خضع النظام للتحديث.

في أميركا نجحت التغطية الصحافية وعمليات التدقيق في إقناع ملايين الناس بمصداقية الانتخابات وآلياتها

لكن من الناحية السلبية، بقي ترامب شخصياً غائباً عن النقاشات المرتبطة بنزاهة الانتخابات في عام 2022 لأنه لم يترشح لأي منصب عام، وإذا ترشّح مجدداً في عام 2024، لا يمكن التأكيد على قدرة النظام الانتخابي الأميركي على تحمّل أزمة ثقة جديدة، وفي مطلق الأحوال، يجب ألا تمر الولايات المتحدة بما شهدته البرازيل لضمان أمن الانتخابات المحلية، بل يُفترض أن تكون أزمة عام 2020 كافية للتعامل مع الوضع بأفضل الطرق، ويجب أن تتعلم واشنطن دروساً كثيرة من جارتها الجنوبية، ولإدارة الانتخابات بالشكل المناسب، يُفترض أن ترفع الولايات المتحدة بدورها شعار «النظام والتقدم».

* كليفورد أ. يونغ، جاستن جيست

back to top