رياح وأوتاد: مخاطر الرهن العقاري... هل تعيد أزمة القروض مشكلة مَن باع بيته؟
يحتوي مشروع الرهن العقاري على مخاطر عديدة يجب دراستها ومعالجتها، ومن أبرز هذه المخاطر زيادة القرض إلى 200 أو 210 آلاف دينار، كما نُشر، وهو مبلغ مرتفع مغرٍ سيدفع معظم طالبي الرعاية السكنية إلى الحصول عليه.
الأمر الآخر هو السداد بأقساط شهرية تصل إلى 50 في المئة، أي نصف إجمالي رواتب الزوج والزوجة، وتستمر طوال حياتهما، وذلك لأن تحصيل الأقساط سيستغرق 25 عاماً، وشراء البيت أو الحصول على القسيمة من الحكومة يكون عادةً فوق سن الأربعين، وخلال هذه المدة سيتقاعد المقترض وينخفض راتبه بنحو 30 في المئة أو أكثر، وقد تزداد رسوم الكهرباء والماء والرسوم الأخرى، مما سيوقع الكثير من المقترضين في التعثّر، فهل ستقوم البنوك ببيع بيوت المتعثرين أسوة بالدول الأخرى التي تعمل بالرهن العقاري، أم ستتدخل الحكومة كما حصل في السابق؟ علماً بأن البنوك الأميركية استولت على 4 ملايين بيت في أزمة الرهن العقاري عام 2008.
فمن الحصافة ألا ننسى تجاربنا السابقة، التي أدت إلى خسارة المليارات من المال العام، فقد كان كثير من المقترضين تصل أقساطهم إلى 50 في المئة من دخلهم الشهري، مما أدى إلى تعثّرهم نتيجة أسباب مختلفة، منها التقاعد والرسوم وعدم الحصافة في الصرف، فقام البنك المركزي بتخفيض الحد الأعلى لأقساط مجموع القروض الاستهلاكية والمقسطة إلى 40 في المئة للموظف، و30 في المئة للمتقاعد، كما أقرت الدولة صندوق المتعثرين، وبعده صندوق الأسرة لإنقاذهم، ووقعت المشكلة نفسها عندما أعادت الحكومة وثائق البيوت الحكومية، فقام بعض المواطنين ببيع بيوتهم والسكن بالإيجار، فضغط المجلس وتدخلت الحكومة، وتم إقرار قانون سُمّي «من باع بيته».
إذاً، فلا بُد أن نتعلم من التجارب وجوب اتخاذ الإجراءات الصحيحة بحزم، وألّا يترك تقدير حجم القرض ومبلغ القسط لتقدير المواطن، حيث قد يشيع الإسراف والتنافس في المظاهر، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
لذلك أرى ألا تزيد قيمة رهن البنوك على 70 ألف دينار، إضافة إلى قرض بنك الائتمان (المجموع 140)، وهو كافٍ لبناء بيت ممتاز، خصوصاً أن الأرض مقدمة من الدولة، وألا يزيد مجموع الأقساط الشهرية على الحدود الحالية (40 في المئة للموظف و30 في المئة للمتقاعد)، كما أرى أن تقوم الحكومة بإجراءات حاسمة في الرقابة، تضمن الالتزام بأحكام لوائح البناء، وأن تقرن قانون الرهن بقانون المطور العقاري الذي يقوم بإعداد البنية التحتية للقسائم، إضافة إلى بناء منازل معقولة قابلة للتوسع بنماذج متعددة بأسلوب (mass production)، مما سيؤدي إلى تخفيض كبير في كلفة البناء، لا سيما أن الأرض مقدمة من الدولة، وبالتالي يكون سداد قيمتها وقرضها ميسّراً للمواطن... والله الموفق.