قيادة الجيش الإسرائيلي تسدد دَيْن «طوفان الأقصى»
سلسلة استقالات تشمل رئيس الأركان • «حماس» ترمم سيطرتها على غزة وقطر واثقة من صمود وقف النار... والتبادل الثاني يشمل 4 مجندات
شهدت إسرائيل، أمس، سلسلة استقالات في الجيش شملت رئيس الأركان هرتسي هاليفي، بعد أن توقفت الحرب في غزة، في أثر رجعي لتسديد دين «طوفان الأقصى» الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023.
وقال هاليفي، أمس، إنه سيستقيل من منصبه في 6 مارس المقبل، تحملاً للمسؤولية عن الخلل الأمني الجسيم الذي حدث في السابع من أكتوبر.
وأوضح في بيان: «أخبرت وزير الدفاع أنه انطلاقاً من الاعتراف بمسؤوليتي لفشل جيش الدفاع في السابع من أكتوبر وفي النقطة الزمنية التي رسم فيها جيش الدفاع إنجازات ملموسة وخلال تطبيق اتفاق لتحرير المختطفين أود إنهاء مهام منصبي في السادس من شهر مارس 2025»، مضيفاً أنه «في الفترة الزمنية المتبقية سأقوم بإنجاز التحقيقات الداخلية وبتعزيز جاهزية جيش الدفاع للتحديات الأمنية، وسأنقل القيادة على جيش الدفاع بصورة نوعية وجذرية لخليفتي... سلمت لوزير الدفاع ورئيس الوزراء رسالة بهذا الشأن».
وأقر هاليفي بأن «أهداف الحرب لم تتحقّق بعد جميعها، وسوف يستمرّ الجيش في القتال لتفكيك حماس وقدراتها على الحكم وضمان عودة الرهائن» وعودة الإسرائيليين الذين نزحوا بسبب الهجمات المسلّحة.
وكان وزراء متطرفون في حكومة بنيامين نتنياهو ضغطوا لإقالة هاليفي. كما تقدم بشكل مفاجئ أيضاً قائد القيادة الجنوبية يارون فنكلمان باستقالته، مؤكداً أنه فشل في 7 أكتوبر في حماية النقب الغربي.
وتحدثت القناة 13 الإسرائيلية عن سلسلة من الاستقالات في قيادة الجيش الإسرائيلي. وتزامن ذلك مع شن الجيش هجوماً كبيراً في مدينة جنين بالضفة الغربية، في تصعيد جاء غداة تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة وإعلانه إلغاء العقوبات التي فرضها سلفه جو بايدن على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية.
وفي تفاصيل الخبر:
في اليوم الثالث من سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصعيد في الضفة الغربية، حيث اقتحم الجيش الإسرائيلي مركز ثقل الفصائل الفلسطينية في مدينة جنين ومخيمها.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان مقتضب، مباشرته مع جهاز الأمن وحرس الحدود عملية «الجدار الحديدي» لإحباط «الأنشطة الإرهابية» في جنين، شاركت فيها قوات كبيرة والطائرات المسيّرة، وأسفرت في يومها الأول عن مقتل 4 فلسطينيين على الأقل وإصابة العشرات.
وقال نتنياهو، إن العملية «خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف الذي حددناه وهو تعزيز الأمن في الضفة الغربية»، مضيفاً: «نتحرك بشكل منهجي وحازم ضد المحور الإيراني أينما مد ذراعه في غزة ولبنان وسورية واليمن والضفة الغربية».
واعتبر وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن إسرائيل «بدأت اليوم تغيير مفهوم الأمن بالضفة بعد غزة ولبنان للقضاء على الإرهاب بالمنطقة كجزء من أهداف الحرب»، مشدداً على أن «عملية الجدار الحديدي ستكون حملة قوية ومتواصلة لحماية المستوطنين وأمن إسرائيل».
وغداة إعلانه عن العملية، قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي إعلان استقالته اعتباراً من 6 مارس المقبل، بسبب الفشل في 7 أكتوبر 2023.
الضفة ضمن أهداف الحرب
ووفق الإعلام العبري الرسمي، فإن مجلس الوزراء المصغر (الكابينت) أطلق عملية جنين بقرار على المستوى السياسي بعد أن أدخل الضفة ضمن أهداف الحرب خلال اجتماعه برئاسة نتنياهو يوم الجمعة، وهو نفس اليوم الذي صادق فيه على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وأفادت مصادر فلسطينية بأن تعزيزات عسكرية عبرت حاجز «الجلمة» باتجاه جنين تزامناً مع اقتحام قوات خاصة لمخيم المدينة.
كما تلقى مئات المقدسيين وحاملي الهوية الإسرائيلية رسائل هاتفية من أرقام عبرية تطالبهم بمغادرة أحياء في شمال القدس، ومغادرة الضفة لأنه سيتم إغلاقها بالكامل.
حلقة في سلسلة الإبادة
وقالت حركة الجهاد الإسلامي إن عناصر جناحها العسكري «سرايا القدس» يتصدون لقوات الاحتلال المقتحمة في محاور القتال ويمطرونها بالرصاص»، داعية «شعب الضفة إلى التصدي بكل الوسائل للحملة المجرمة وإفشال أهدافها».
وفيما اعتبرت «الجهاد» أن «عملية الجدار الحديدي حلقة بسلسلة الإبادة التي يشنها الكيان الغاصب»، دعت حركة «حماس» إلى «النفير العام والتصدي لعدوان الاحتلال الواسع في جنين وإسناد المقاومين لمواجهة البطش الصهيوني».
أمن السلطة
وكانت قوات أمن السلطة الفلسطينية خاضت اشتباكات عنيفة لأكثر من شهر مع ما يعرف بـ «كتيبة جنين» التي تضم مسلحين من حماس والجهاد ومستقلين.
واتهمت «حماس» أجهزة السلطة بالانسحاب من محيط مخيم جنين بالتزامن مع بدء العملية الإسرائيلية واصفة ذلك بـ «السلوك الغريب».
إلا أن الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب، أكد أمس استمرار العملية والقبض على 40 من «الخارجين على القانون، بينهم تجار سلاح وآخرين شاركوا في إطلاق النار على قوى الأمن».
اتفاق غزة
وفي أكبر تشكيك في صمود اتفاق إسرائيل وحركة حماس، الذي دخل يومه الرابع، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الأول، بعد ساعات من تنصيبه، أنه غير واثق من أن الصفقة، التي أنهت أكثر من 15 شهراً من العدوان الدامي على غزة ستصمد.
ورغم تباهيه قبل تنصيبه بدوره من أجل التوصل إليه، أجاب ترامب لدى عودته إلى البيت الأبيض عن سؤال عمّا إذا كان طرفا النزاع سيلتزمان بالهدنة ويمضيان قدما للتوقيع على اتفاقية كاملة، بالقول «لست واثقاً، هذه ليست حربنا، إنها حربهم. لكنني لست واثقاً».
وأشار إلى اعتقاده بأن «حماس باتت أضعف» جراء الحرب التي اندلعت اثر هجومها يوم 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل. وقال: «رأيت صورة من غزة. غزة أشبه بموقع هدم ضخم»، مؤكداً أن القطاع يمكن أن يشهد عملية إعادة إعمار «رائعة» إذا مضت الخطة قدماً.
وتحدث قطب العقارات الذي بات سياسيا شعبوياً عن موقع غزة «الفريد على البحر وطقسها الرائع ويمكن القيام بأمور رائعة فيها».
وفي رد سريع على شكوك ترامب، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، بالإنكليزية خلال مؤتمره الأسبوعي أمس، «نحن واثقون من الاتفاق حين يتعلق الأمر بصيغة الاتفاق وعندما يتعلق الأمر بحقيقة أننا ناقشنا كل القضايا الرئيسية على الطاولة»، محذراً من أن «أي خرق من أي من الجانبين أو قرار سياسي قد يؤدي بكل وضوح إلى انهيار الاتفاق».
بدورها، جددت «حماس» التزامها ببنود الصفقة. وقال مستشار رئيس المكتب السياسي للحركة طاهر النونو: «في اليوم السابع لتنفيذ اتفاق وقف النار أي السبت القادم سوف يتم إطلاق سراح 4 من المحتجزات الأسيرات الإسرائيليات مقابل إفراج الاحتلال عن الدفعة الثانية من الأسرى الفلسطينيين وفق المعايير المتفق عليها».
وأوضح مصدر مطلع على الاتفاق أن «حماس وفصائل المقاومة ملتزمة بتسليم الدفعة الثانية بالموعد المحدد بعد الساعة الرابعة مساء يوم السبت القادم إلى طاقم الصليب الأحمر»، مضيفاً: «سيتم تسليم قائمة أسماء الأسيرات الأربعة قبل الموعد وفق الجدول المحدد في الصفقة، وطالبنا الوسطاء بإلزام الاحتلال بتسليم قائمة أسماء الأسرى الفلسطينيين في موعدها والإفراج عنهم من دون تأخير».
وتستمر المرحلة الأولى من الاتفاق 42 يوماً ويتم خلالها تبادل رهائن ومعتقلين على مراحل، على أن يبدأ تسليم الدفعة الثانية من الرهائن في اليوم السابع من بدء سريان وقف إطلاق النار لتبدأ عملية عودة النازحين.
وأوضح طاهر النونو أن عودة النازحين ستبدأ «بعد ظهر اليوم السابع أي بعد تسليم الدفعة الثانية من الأسرى». وأضاف أن الاتفاق ينص أيضاً على «انسحاب قوات الاحتلال من محور نتساريم، بدءاً من شارع الرشيد الساحلي الغربي إلى مفترق الشهداء على طريق صلاح الدين (شرقاً) وبدء عودة النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله».
وبحسب الاتفاق يتم مرور النازحين سيراً على الأقدام عبر شارع الرشيد، أما المركبات فستمر عبر مفترق نتساريم على طريق صلاح الدين، وفق ما أوضح النونو.
وأكد أن «الاتفاق يضمن حرية حركة السكان بين الجنوب والشمال وداخل مدن القطاع التي انسحب منها جيش الاحتلال».
وتابع أن خلال هذه الفترة «يتوجب مواصلة تدفق دخول المساعدات بواقع 600 شاحنة بينها شاحنات للوقود بدون تأخير، إلى القطاع».
وأمس الأول دخلت 915 شاحنة محمّلة بالمساعدات إلى غزة، أي أكثر من العدد المنصوص عليه في الاتفاق، بحسب الأمم المتحدة، التي أعلنت دخول 630 شاحنة، بما في ذلك 300 إلى شمال القطاع في اليوم الأول للهدنة.
إلى ذلك، جددت الحكومة الفلسطينية استعدادها لتحمل مسؤولية إدارة غزة والضفة، مؤكدة التزامها بإدارة المعابر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومصر.
وفي رد شديد على إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن على المستوطنين اليهود المتطرفين لردع هجماتهم الوحشية على الفلسطينيين بالضفة، اتهمت الخارجية الفلسطينية ترامب بالتحريض على العنف وتشجيعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم. ورحب وزراء إسرائيليون متطرفون بقرار ترامب.
في المقابل، اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إسرائيل لم تحقق هدفها الرئيسي في الحرب بتدمير «حماس»، التي تمكنت بعد الاتفاق من السيطرة كلياً على القطاع.
وذكّرت الصحيفة أن حماس تدعي الفوز رغم خسائرها الفادحة، وتستعرض مقاتليها في شوارع غزة، لأنها حققت هدفها المتمثل في البقاء على قيد الحياة، ولكن المكاسب الإستراتيجية كلها تقريباً لصالح إسرائيل.
ورأت الصحيفة أن إسرائيل خرجت من الحرب وهي أقوى، بعد أن نجحت في تقليص حجم العديد من خصومها رغم أنهم ما زالوا يشكلون تهديداً، وأوضحت أن توجيه ضربات ثقيلة لخصوم إسرائيل يعد إنجازاً بالنسبة للإسرائيليين وتعويضا لعزلتهم الدبلوماسية، في عالم مروع من حجم الدمار في غزة.