عن الاغتراب البيئي... المناخ والبعوض والدنجي!!

نشر في 22-01-2025
آخر تحديث 21-01-2025 | 18:00
 د. سلطان ماجد السالم

يعتقد الإنسان أنه الأقوى والأذكى دائماً في أي مواجهة له مع عناصر الطبيعة، ويتناسى في الواقع كيف سلط الله سبحانه وتعالى، وفي أكثر من مرة، أبسط المخلوقات، كالجراد والقمل والذباب، عليه ليجعل منه عبرة وعظة. ولكن وبما أن الإنسان سمي هكذا من النسيان، فإن دولاب الزمان يدور ويتناسى موقعه الطبيعي في هذه الحياة، وكيف به أن يتألم حتى من «شكة إبرة». هذا هو الواقع والحقيقة، كما أن الواقع أيضا يفرض علينا أموراً وجب التعامل معها، كالأوبئة والأمراض المتفشية، والتي مازلنا نعاني منها على الكوكب الأزرق. ومن أبرز تلك الأمور التي وجب مقاومتها والتعامل معها هي حمى الدنجي Dengue المتفشية على نطاق واسع في المناطق الاستوائية. أعراض تلك الحمى كمثيلاتها، فلا شيء يختلف ولا لقاح أو عقار محددا لها، كما يترك في كثير من الأحيان ذاك الشخص المصاب لمواجهة مصيره ومناعته، هكذا دون أي تدخل أو قيود ولا حتى علاجات خاصة. تنتقل حمى الدنجي وتنتشر بسبب قرص البعوض، وتحديدا أحد نوعين إما «ايدس ايجبتي» أو «ايدس البوكتس»، ليتوسع الأمر أكثر وأكثر في الأماكن المتكدس بها السكان والحاضنة للظروف المناسبة للدنجي وبعوضها.

نعم، فليس كل البعوض متشابه، ونعم فالتغير المناخي الذي يطرأ علينا وارتفاع درجات الحرارة ساهما بشكل مباشر في التوسع بإصابات الدنجي، كما أن العولمة والتنقل الجوي المتزايد ساهما أيضا في نقل الحالات المصابة ما بين القارات (والبعوض أيضا)، فعلى سبيل المثال كان عدد المسافرين عبر الطائرات عام 1950 مقدرا بـ31 مليون راكب سنويا، أما اليوم فيصل هذا الرقم إلى ما يفوق الـ4 مليارات راكب في السنة الواحدة!!

ولكن وكعادة الأمر من هذا النوع، فللعلم والبحث والتطوير العلمي الكلمة الفصل والرسالة الأسمى على مر الزمان. احتضن برنامج البعوض العالمي World Mosquito Program أحد أهم وأبرز الطرق للحد من تفشي أمر البعوض المسبب للدنجي، وهو الأمر الذي ظهر مؤخراً في الإعلام العالمي. يحتضن هذا البرنامج تقنية استخلاص بكتيريا الولباجيا من ذباب الفاكهة وإعادة حقنها في البعوض، ليتم إيقاف وتثبيط الفيروسات التي ترتع به. وبحسب الخبير العلمي للبرنامج (سكوت اونيل) فإن طريقة الولباجيا قد وصلت إلى ما يفوق الـ11 مليون نسمة في 14 بلدا حول العالم، وهي المتسبب الرئيسي في انخفاض حالات نقل عدوى الإصابة بحمى الدنجي في أستراليا على سبيل المثال بنسبة 98٪، وهي من بعض الإحصائيات التي تم التطرق إليها في تقرير مؤخراً بهذا الشأن.

عوداً على مواضيعنا المتطرقة للحشرات هذه الأسابيع فإن البحث العلمي في هذا المجال، وإذا ما أخذ حيزه للوصول إلى عالمنا العربي، فمن شأنه أن يخلق فرص العمل، وأن يحد من إصابات لأمراض متنوعة، وأن يجد لنا طريقا في رسم خارطة بيان علم الحشرات والتنوع البيولوجي. ولكنني أكرر ما قلته سابقا، فهذه الأعمال هي حبيسة الأدراج والأذهان في عالمنا العربي الذي كان ولا يزال يعاني على واجهة البحث والتطوير.

على الهامش: فلسفة القوانين والمخالفات، كما أفهمها ويفهمها غيري، تكون مرتبطة بالردع من القيام بالمخالفة ذاتها أو تكرار ذلك. قانون المرور الجديد ورغم أنني من أشد المناصرين لتشديد العقوبات المرورية، وردع المستهترين بأرواح أصحاب المركبات، فإنه يبدو لي بأن فلسفته تكمن في التربح والتكسب من المخالفة ذاتها وليس ردع مرتكبها. هذا نقاش للتأمل الآن والأيام والتطبيق سيكونان كفيلين بكشف محاسنه ومساوئه.

back to top