كيركغارد... فيلسوف الوجودية المؤمنة

كثيرون هم فلاسفة الوجودية الملحدة مثل سارتر، ودي بوفوار، وهيدغر، وغيرهم، ولكن هناك من سبقهم بنحو قرن في الدنمارك نحو الوجودية المؤمنة، وهو الفيلسوف كيركغارد الذي أمضيت وقتاً مع قصة حياته، وتعرّفت على بعض ملامح أسلوبه المتفرّد في حديثه عن النفس البشرية.
***
«سلمت نفسي لهذا العالم الواسع، فلا أستطيع أن أصبح كهلاً، لأنني لم أعرف الشباب في حياتي، ولا أستطيع العودة إلى الشباب لأنني أصبحت كهلاً، فلا أستطيع الموت لأنني لم أعِش مطلقاً، ولا أستطيع الحياة لأنني مِتُّ منذ زمن، ولا أستطيع أن أحب لأن أمر الكراهية متوفر دائماً».
***
ويتوجه الفيلسوف الدنماركي للناس بهذه المقولة:
«تزوجوا وسوف تندمون على ذلك، لا تتزوجوا فسوف تندمون... في كلتا الحالتين، اضحكوا على سخافات هذا العالم وسوف تندمون، ابكوا عليها فسوف تندمون أيضاً، سواء أضحكتم أم بكيتم على سخافات العالم، فسوف تندمون في كلتا الحالتين».
***
ولهذا الفيلسوف آراء مثيرة حول النفس البشرية:
«إن الصيرورة الذاتية هي أعلى مهمة توكل إلى كل إنسان، كما أنها أعلى مكافأة له، إنها سعادة أبدية، ولا توجد إلا للإنسان الذاتي، أو بالأحرى تُخلق لذلك الذي يصبح ذاتياً».
***
وفي مكانٍ آخر من حديثه عن النفس البشرية، فصلٌ طويل أختصره بالتالي:
«تنتهي المرحلة الجمالية إلى الفشل، وكل وجود جمالي هو في الواقع محكوم بالضياع وفقدان الأمل، وطالما ظل القانط يعتقد بأن التعاسة توجد خارجه في تعددية الأشياء التي تمر وتموت، يكون يأسه عقيماً. في المقابل، الصّحي أن يأس الشخص من ذاته، وأن يختار ذاته في حقيقتها الأبدية هي الحرية. من خلال هذا الاختيار يتخلى الإنسان عن الجمالي لصالح الأخلاقي».
***
وقد حدد كيركغارد الأفكار الجمالية والأخلاقية أو الدينية بالتالي:
«الإنسان كتركيبة من روح وجسد، الروح هنا تعني الضمير، إذا لم تكن هذه التركيبة تحتوي الضمير والجسد، تكون زمنية ولا تستطيع البقاء بقوتها الذاتية، ولكنها تُنقَذ بواسطة عنصر ثالث هو الروح التي تشكّل في الوقت ذاته تركيبة جديدة بين الزمني والأزلي، أي بين النهائي واللانهائي».
***
وهناك الكثير الذي لا تتسع له مساحة المقال، وسأختتم ما كتبه كيركغارد بالتالي:
«على الإنسان أن يهتم بتطوره الأخلاقي دون الاهتمام بما إذا كان مُفيداً للآخرين أم لا، ومهما كانت أخلاق الإنسان سوية، دون أن تكون لديه وظيفة يُطبّق فيها سلوكه الأخلاقي، فعدم وجوده خيرٌ من وجوده».