«فور سيزونز» دمشق!*

نشر في 20-01-2025
آخر تحديث 19-01-2025 | 18:45
 خولة مطر

في عام 2005 استطاعت تلك الشركة العالمية للفنادق ومقرها كندا أن تدخل العاصمة السورية من بواباتها الواسعة، فكان ذاك البناء المعماري بديكوراته التي تطابق بعضاً من تاريخ وحضارة وثقافة ورقيّ هذا البلد، أو هي محاولة من مالكيه كي لا يشوه المشهد العام لتلك المدينة العاصمة العريقة... فندق يليق بمدينة عاشقة ساكنة عند حضن النهر، ليتحول مزارا لسنين قبل عام 2011، وفجأة يهجر العشاق، وهم كثر، مدينتهم أو ربما يجبرون على الرحيل، وتتوقف الأفواج القادمة لزيارة هذا البلد الذي شهد حضارات متعددة وبشراً وثقافات وكثيراً من الفن والموسيقى.

يمضي بعض الوقت فيتحول الفندق نفسه إلى مقر لمنظمات الأمم المتحدة فيضيء عتمة الطرقات المحيطة وتدب الحياة به بل تنتعش على اختلاف الزوار أو الساكنين، لأنه تحول إلى مقر لمكاتبهم في الأول وسكن موظفيهم القادمين من بقاع الكون بأجناس وأعراق وخلفيات ثقافية كثيرة لتقديم المساعدة والعون للشعب السوري الذي عانى بالطبع كثيرا قبل 2011 وبعده.

ثارت ثائرة الإعلام العالمي أو ربما منظمات المجتمع المدني الدولية، وكان أكثر موضوع مشوقاً لهم في اجتماعاتهم الكثيرة جداً جدا هو كيف يقيم موظفو الأمم المتحدة في أكثر الفنادق فخامة في مدينة منزوعة الكهرباء والماء وكثير من تفاصيل حياة البشر التي تعد عادية بل بدهية؟ طرحوا الأسئلة حتى التقطتها تلك الصحف الإنكليزية وذاع صيت الأمم المتحدة والفندق معا!!

لم تكن المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة التي يقيم موظفوها في فنادق خاصة في مناطق النزاعات والحروب حتى في أوقات الاضطرابات بل هي حالة مكررة قد حصلت كثيرا في معظم المدن في إفريقيا وآسيا وبعض الدول العربية ولو في أوقات قصيرة، إلا أن مشهد عربات الأمم المتحدة المصفحة المكدسة أمام ذاك الفندق ما لبث أن استثار مشاعر السوري العادي فراح يرسل الانتقادات إذا ما توافرت الكهرباء والإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى عبر النكت والسخرية، ثم ما لبث الأمر أن تحول إلى أكثر من انتقاد حتى في أروقة الأمم المتحدة وبين أفراد طواقمها العاملين في سورية أو حتى أولئك الجالسين في مقرها الرئيس في نيويورك أو في جنيف، حيث يتعمد بعض الصحافيين طرح السؤال المكرر على المسؤول الصحافي أو الإعلامي «لماذا يقيم موظفو الأمم المتحدة في أكثر الفنادق فخامة في مدينة تغلفها العتمة ولا يتوافر الماء في البيوت إلا في ساعات محددة من النهار والليل؟»، لا إجابات مقنعة بالنسبة إلى الصحافيين ورغم ذلك يعيدون تكرار السؤال ولا يملون.

تمضي السنون وسورية تعيش حزنها وتمزقها وموت أبنائها وبناتها وجوعهم وتشردهم من بيت إلى آخر ومن مدينة لأخرى بنزوح خلف نزوح، ويتبعه في الكثير من الأوقات هجرة وفي معظمها غير شرعية، لم يكن البحر أكثر رحمة من بيتهم المهدم وذاك العزيز الذي رحل إما هنا أو هناك، طفحت جثثهم فوق موج المتوسط وآخرون حالفهم الحظ أو ربما رحمة الإلهية فوصلوا إلى بر الأمان وهو مجرد بداية لرحلة طويلة من الشقاء ربما!!

لم يرحل كل السوريين كما يريد البعض أن يتصور بل بقي كثيرون منهم وبقوا أيضا يتابعون بتأمل ذاك المشهد لمنظمات إنسانية تعيش حياة يحلم بها كثير من السوريين، بل ربما معظمهم، حتى القادرون منهم كانت الكهرباء والماء رفاهية لا يعرفونها إلا عند مرورهم وأضواء ذاك الفندق الفخم تتلالأ.

يمر الزمن بطيئاً على السوريين وسريعا على آخرين سكنوا في ذاك الفندق الذي «تبرأت» منه الشركة الأم مع الوقت، وأعلنت أنه بقي حاملا للاسم فقط ولا علاقة للشركة به حتى هي، أي الشركات الكبرى العابرة للحدود والأعراق والمدن، التي غايتها الربح، رفعت يدها وأبعدت نفسها عن ذاك المكان.

لم يتوقف هذا الفندق عن جذب الانتباه ربما لسمعة مالكيه الجدد أو حتى ساكنيه، فبعد أن كان مقراً للأمم المتحدة أصبح هو الآخر مقرا للحكم الجديد في سورية، حتى أن أحد القادة قال لصحافية هناك، وهي تطرح وتكثر من الأسئلة وتطارده إن شئت أي مساعدة فـ«شبابنا في ألف...»، فاندهشت الصحافية المراسلة لصحيفة عرفت بعدائها الشديد للحكم السابق في سورية، وأعلنت انتصار الثورة برفع العلم السوري الجديد واستخدامه في كل المواضيع القادمة عن الحياة الجديدة في سورية الحرة، استوقفت الصحافية ذاك القائد لتتأكد ان «شبابهم» مقيمون أيضا في الفندق الفخم نفسه بجوار المنظمات الإنسانية الدولية، بعدها بحثت عن مكان هادئ في وسط الضجيج لتجلس فتكتب مقالتها الجديدة وعنوانها المثير حاملا اسم الفندق ذاته!!!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.

back to top