المدافع تصمت في غزة مع أول تبادل للمحتجزين
مئات آلاف الفلسطينيين يعودون إلى منازلهم المهدمة... والمساعدات تتدفق على القطاع
• بن غفير يستقيل... وترامب يهدد بدخول الحرب إذا خالفت «حماس» الاتفاق
في مبادرة لإنهاء قتال غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وأحدث تحولاً سياسياً مزلزلاً في الشرق الأوسط، توقّف دوي المدافع وسكت أزيز الرصاص، وغاب هدير الطائرات عن الآذان في قطاع غزة لأول مرة منذ أكثر 15 شهراً، إيذاناً ببدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل.
وبدأ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع ظهر أمس، متأخراً نحو 3 ساعات عن الموعد المحدد سابقاً لأسباب فنية ميدانية عطلت تسليم حركة حماس قائمة بأسماء 3 محتجزات أطلقت سراحهن في اليوم الأول من الصفقة مقابل 90 أسيراً فلسطينياً.
وفي أجواء شديدة التوتر، تسلّم جيش الاحتلال من «الصليب الأحمر» 3 محتجزات إسرائيليات تحمل إحداهن الجنسية الرومانية، والأخرى البريطانية، وسلّم له 90 أسيراً فلسطينياً، 78 منهم توجهوا إلى الضفة الغربية و12 إلى القدس الشرقية، مشترطاً على الفلسطينيين عدم الاحتفال بعودة ذويهم.
وانسحبت قوة عسكرية كبيرة تابعة للواء غفعاتي من شمال غزة قبل ساعات من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، من دون أي أوامر بالعودة، وتدفقت المساعدات على القطاع من معبر كرم أبوسالم، وبدأ مئات ألوف النازحين في العودة إلى بيوتهم المدمرة.
بن غفير وسموتريتش
وقبل إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دخول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، قدّم وزراء حزب عوتسما يهوديت اليميني المتطرف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير التراث عميحاي إلياهو، ووزير تطوير النقب والجليل، يتسحاق فاسرلاوف، استقالاتهم احتجاجاً على الصفقة.
وفي رسالة إلى نتنياهو، تفاخر بن غفير بإنجازات رئيس الوزراء المهمة، لكنّه اشتكى من «استسلامه للإرهاب وتجاوز صفقة كل الخطوط الحمر الأيديولوجية».
وهدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة إذا أوقفت الحرب، معتبراً اتفاق غزة «خطأ خطيرا» يرتكبه نتنياهو، و«استسلاماً لحركة حماس».
وقال سموتريتش إن الاتفاق الحالي «يُضعف إسرائيل»، ويمنح «حماس» فرصة لإعادة ترتيب صفوفها ويرسل رسالة ضعف، ويضر بقدرتنا على تحقيق أهداف الحرب، معتبراً أن الحل هو العودة للقتال بعد المرحلة الأولى.
وأقرّ وزير الخارجية جدعون ساعر بأن إسرائيل فشلت في تفكيك قدرات «حماس» العسكرية والحكومية خلال الحرب، لكنّها تمكنت من تحويلها «من جيش إرهابي إلى مجموعة حرب عصابات».
وقال ساعر: «إذا بقيت حماس في السلطة فستستمر الاضطرابات الإقليمية»، معتبراً أن المجتمع الدولي إذا أراد وقف إطلاق نار دائماً، فيجب أن يشمل ذلك تفكيك الحركة كقوة عسكرية وكيان حاكم.
وأكد أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار ليس أمراً تلقائياً، ويعتمد على أهداف الحرب، وإسرائيل ملتزمة بإطلاق سراح جميع الرهائن قبل كل شيء. وتابع: «لدينا أهداف نريد تحقيقها، وسنتفاوض على ذلك بحسن نية».
واعتبر رئيس الأركان هيرتسي هاليفي أن الاتفاق لم يكن ليتم في هذه الظروف لو لم تكن «حماس» في وضع صعب للغاية، مشدداً على التعامل معها بصرامة لفرض الشروط عليها.
بنود الاتفاق
وفي وقت سابق، أعلن جيش الاحتلال أن وقف النار لن يدخل حيز التنفيذ حتى تفي «حماس» بالتزاماتها وتقدّم قائمة أسماء المحتجزات اللاتي ستُطلق سراحهن، وبعد دقائق هاجم أهدافاً في شمال قطاع غزة ووسطه بالمدفعية والطائرات.
وفي حين أكدت «حماس» التزامها ببنود الاتفاق، وأرجعت تأخُّر تسليم أسماء الدفعة الأولى من المحتجزين «لأسباب فنية ميدانية»، عاد مكتب نتنياهو ليؤكد أن إسرائيل تلقت القائمة، ودخل وقف إطلاق النار للمرحلة الأولى في غزة حيز التنفيذ الساعة 11:15» بالتوقيت المحلي في غزة (9:15 توقيت غرينتش).
بيان مقتضب
وبالتزامن مع ذلك، أعلن الناطق باسم كتائب القسام، أبوعبيدة، أنه في إطار صفقة تبادل الأسرى، قرر الجناح العسكري لحركة حماس الإفراج عن الأسرى رومي جونين (24 عاما) وإميلي دماري (28 عاما) ودورون شتنبر خير (31 عاما)».
واقتحمت قوات الاحتلال منازل بعض الأسرى المقدسيين المفرج عنهم ضمن المرحلة الأولى، وهددت عائلاتهم ومنعتهم من التجمع لاستقبالهم بعلم فلسطين أو رايات المقاومة.
عملية خاصة
وبينما بدأ مسلحو «كتائب القسام» التجول في شوارع مدينة دير البلح، أعلن جيش الاحتلال، أمس، عن عملية خاصة بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات الداخلية (شين بيت) استعاد خلالها رفات الجندي أورون شاؤول، الذي سقط بمعركة حي الشجاعية في 20 يوليو 2014، مبيناً أنه تم إبلاغ عائلته باسترجاع رفاته بعد التحقق من ذلك رسمياً.
وأكدت القناة 11 العبرية انسحاب لواء غفعاتي من قطاع غزة بعد نحو 15 شهرا من القتال في القطاع. وأضافت أنه تكبّد خسائر ضخمة، ووصل عدد قتلاه إلى أكثر من 84 جندياً وضابطاً منذ التوغل البري في 27 أكتوبر 2023.
وأفادت إذاعة الجيش بأن الكتيبة 932 التابعة للواء ناحال تنسحب من غزة. وقالت صحيفة القدس في غزة إن قوات الاحتلال انسحبت من مناطق الإندونيسي، وتل الزعتر، ومشروع بيت لاهيا، وبيت لاهيا في شمال قطاع غزة، قبيل سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
وبدأ مئات الآلاف من النازحين بالعودة إلى منازلهم مع بدء وقف إطلاق النار. واكتظت الشوارع الرئيسية في مدن القطاع بآلاف المواطنين العائدين إلى منازلهم، سواء سيراً على الأقدام أو على عربات أو شاحنات وهم يحملون أمتعتهم، خصوصاً من مدينة غزة في اتجاه شمال القطاع، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت وكالة أونروا إن هناك 4 آلاف شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية جاهزة لدخول قطاع غزة، حيث يحتوي نصف هذه الشحنات على إمدادات غذائية أساسية ودقيق.
وأعرب المفوض العام لـ«أونروا»، فيليب لازاريني، عن تفاؤله بأن الهجمات على قوافل المساعدات داخل قطاع غزة قد تتراجع مع توقّع تكثيف الجهود الإنسانية.
واصطفت شاحنات المساعدات الإنسانية في مدينة العريش الحدودية المصرية تحسبا للعبور إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، لنقل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.
وقبل ذلك، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة لأماكن يُمنع على الفلسطينيين الاقتراب منها، ومنها منطقة محور نتساريم في الشمال، ومعبر رفح، وكذلك ممر فيلادلفيا في الجنوب، أو دخول البحر في الأيام المقبلة، محذرا «من مغبة الاقتراب من قواته عامة وفي محور نتساريم على وجه الخصوص». واعتبر أن «انتقال الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى الشمال ما زال محظوراً وخطيراً».
وذكر الإعلام المصري أن 2000 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية وبضائع على الجانب المصري من معبر رفح تستعد للدخول إلى أهالي غزة.
وأضاف أن الشاحنات تحمل مواد غذائية وملابس وإمدادات طبية وخيامًا ومستلزمات نظافة ومواد إغاثة أخرى، مشيرا إلى استعدادات مصرية ضخمة لدخول مساعدات إنسانية إلى غزة.
وفي وقت سابق، أعلن المكتب الحكومي بغزة الانتهاء من وضع خطة شاملة للتعامل مع الاتفاق، تتضمن إجراءات ميدانية عاجلة لضمان عودة الحياة الطبيعية تدريجياً. وقال المكتب، في بيان، إن الخطة تشمل أيضاً تأمين المناطق المتضررة وتقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين، مؤكداً جاهزية الوزارات والمؤسسات الحكومية للعمل بموجب هذه الخطة.
وجاء بالبيان أنه تم إعداد فرق حكومية متخصصة من الوزارات والمؤسسات الحكومية لمتابعة تنفيذ هذه الخطة ميدانياً «بما يضمن سلامة المواطنين ومحاولة توفير الاحتياجات الأساسية لهم».
ترحيب ووعيد
وفي واشنطن، رحّب الرئيس المنتحب دونالد ترامب بالإفراج الوشيك عن المحتجزات في غزة. وكتب في منشور على منصته: «يبدأ إطلاق سراح الرهائن اليوم! ثلاث شابات رائعات سوف يتم إطلاق سراحهن أولا».
وقبل إلقاء الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن كلمة بشأن وقف إطلاق النار، وجّه مستشار الأمن القومي الجديد، مايك والتس، تحذيراً شديداً اللهجة إلى «حماس»، مؤكداً أنها إذا تراجعت عن هذا الاتفاق، فإن إدارة ترامب ستدعم إسرائيل.
إلى ذلك، وصلت إلى القاهرة وفود فلسطينية وإسرائيلية وقطرية وأميركية لمراقبة اتفاق وقف النار في غزة ضمن الآلية المخصصة لمتابعة تنفيذه.
وفي قطر، بحث رئيس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبدالرحمن، مع وفد من الفصائل الفلسطينية الجوانب التنفيذية لاتفاق وقف إطلاق النار، وأكد ضرورة العمل على تطبيقه وصولا إلى الاستقرار في المنطقة. وشدد بن عبدالرحمن على استمرار الدعم القطري لغزة عبر استئناف الجسر الجوي للمساعدات.