ترامب ينقل حفل تنصيبه إلى داخل الكونغرس... تشبهاً بريغان أم خوفاً من «لعنة» هاريسون؟

نشر في 19-01-2025
آخر تحديث 18-01-2025 | 20:56
الثلوج قرب الكابيتول أمس الأول (رويترز)
الثلوج قرب الكابيتول أمس الأول (رويترز)
أعلن ترامب أن حفل تنصيبه سيجري داخل الكونغرس، في سابقة هي الأولى منذ 40 عاماً. ورغم أن درجات الحرارة المنخفضة هي سبب القرار، تساءل مراقبون إذا كان الرئيس الجمهوري يرغب في التشبه برونالد ريغان الذي كان آخر من أدى اليمين داخل الكونغرس، أم تجنباً لمصير وليام هاريسون الذي يعتقد أن البرد أدى لوفاته بعد شهر من تنصيبه قبل 184 عاماً؟!

عاد دونالد ترامب إلى واشنطن أمس، لبدء أيام من الاحتفالات بمناسبة تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، بعد أربعة أعوام من مغادرته المدينة، في أعقاب هجوم شنّه أنصاره على مبنى الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي، الذي سيحتضن التنصيب داخل قاعاته للمرة الأولى منذ 40 عاماً بسبب تدني درجات الحرارة.

ومن المقرر أن يبدأ تغيير السلطة مع اقتران أبهة واشنطن المهيبة بحفل ترامب، من خلال عرض للألعاب النارية في أحد عقاراته الفاخرة للغولف وضيوف من بينهم عمالقة صناعة التكنولوجيا وأصدقاء من عالم الأعمال ونجوم الإعلام المحافظين مع تدفق آلاف من أنصاره من جميع أنحاء البلاد.

وترك ترامب، الجمهوري، منصبه في العام 2021 كشخصية منبوذة سياسياً بعد أن أدى رفضه قبول الخسارة إلى قيام حشد من الغوغاء باقتحام مبنى الكابيتول الأميركي، ثم كسر التقاليد بالتغيب عن حفل تنصيب الديموقراطي جو بايدن خلفاً له.

وفي تناقض صارخ مع ترامب، سوف يلتزم بايدن بأحد أقوى رموز التسليم الديموقراطي، حيث سيرحب بترامب في البيت الأبيض وينضم إليه في الرحلة إلى مبنى الكابيتول قبل أن يؤدي اليمين الدستورية.

ومع توقع هبوب هواء من القطب الشمالي لتواجه واشنطن درجات حرارة شديدة البرودة في يوم التنصيب، يسارع المنظمون لنقل معظم الفعاليات الخارجية المقررة غداً الاثنين إلى أماكن داخلية، بما في ذلك مراسم أداء اليمين، وهي المرة الأولى منذ 40 عاماً التي تقام فيها مراسم تنصيب الرئيس الأميركي في مكان مغلق.

وكتب ترامب على موقع «تروث سوشيال» يقول «هناك عاصفة قطبية تجتاح البلاد. لا أريد أن أرى الناس يتأذون أو يتعرضون للإصابة بأي شكل».

وأضاف: «أمرت بإلقاء خطاب التنصيب، إضافة إلى الصلوات والخطب الأخرى، في قاعة الكابيتول».

والمرة السابقة التي نقل فيها حفل تنصيب الرئيس إلى مكان مغلق بسبب البرد القارس كانت في العام 1985 أثناء أداء الرئيس الجمهوري السابق رونالد ريغان القسم للمرة الثانية حين هبطت درجة الحرارة بعد الظهر إلى ما بين 23 و29 درجة مئوية تحت الصفر.

ولا يخفي ترامب إعجابه بريغان، وقد يكون طلبه نقل الحفل إلى الداخل هو محاولة للتشبه بالرئيس الجمهوري الراحل، الذي عرف بسياساته اليمينية القوية خصوصاً ضد الاتحاد السوفياتي، التي أدت عملياً إلى سقوط الاتحاد خلال ولاية نائبه جورج دبليو بوش.

وقال ترامب إن الموكب الرئاسي الذي كان من المقرر أن يضم فرقاً موسيقية ومجموعات أخرى تسير على طول طريق «بنسلفانيا أفنيو» سينتقل إلى داخل ساحة «كابيتال وان».

ولم يتضح بعد كيف سيتم تنظيم موكب داخل الساحة الرياضية. وأشار ترامب إلى أنه سينضم إلى الجمهور في الساحة بعد أدائه اليمين.

وقال أليكس وورلي، وهو متحدث باسم وكالات إنفاذ القانون المكلفة بتأمين مراسم التنصيب، إن جهاز الخدمة السرية الأميركي يعمل بشكل وثيق مع لجنة تنصيب ترامب ولجنة الكونغرس المسؤولة عن حفل التنصيب «لتعديل خططنا الأمنية حسب الحاجة بسبب الطقس العاصف المتوقع».

وسيترتب على هذا التغيير أنه لن تكون هناك مقارنات بين حجم الحشد في تنصيب ترامب واحتفالات التنصيب السابقة. وبعد أدائه القسم لأول مرة في العام 2017، غضب الجمهوري ترامب من التقارير الإعلامية التي أشارت إلى أن الحشد في متنزه «ناشيونال مول» كان أصغر بكثير من ذلك الذي شهد أداء الرئيس الديموقراطي السابق له باراك أوباما اليمين لأول مرة في العام 2009.

وسيؤدي التغيير في الخطط إلى تقليل عدد الأشخاص الذين بإمكانهم مشاهدة الحفل بالحضور الشخصي إلى حد بعيد. وقال مسؤولون من مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتشددة جورجا ميلوني إنها ستحضر الحفل.

وفي سابقة من نوعها، دعا ترامب العديد من الزعماء الأجانب لحضور حفل التنصيب. وتاريخيا، لم يحضر أي زعماء أجانب تنصيب الرئيس الأميركي بسبب مخاوف أمنية وأرسلوا دبلوماسيين بدلاً منهم.

وذكرت تقارير أن بالإضافة إلى ميلوني، أعلن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي الرأسمالي اليميني، وهو مؤيد قوي آخر لترامب، أنه سيحضر التنصيب. لكن المتحدث باسم فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر، وهو مؤيد آخر لترامب، قال هذا الأسبوع، إنه لن يحضر.

كما لن يحضر الرئيس الصيني شي جينبينغ، على الرغم من الدعوة الموجهة إليه، لكنه سيرسل مبعوثاً.

ومن المقرر أن يعقد ترامب تجمعاً مع أنصاره داخل ساحة «كابيتال وان» اليوم الأحد عشية تنصيبه.

البرد والتنصيب

كان الطقس البارد سمة مميزة في العديد من مراسم التنصيب السابقة. وكانت درجات الحرارة في تنصيب أوباما لولايته الأولى في العام 2009 باردة أيضاً، حيث بلغت حوالي 1.5 درجة مئوية تحت الصفر. وكان للبرد القارس تأثير على مراسم تنصيب ماضية.

فقد ألقى وليام هنري هاريسون، الرئيس التاسع للولايات المتحدة، أطول خطاب تنصيب في 4 مارس 1841، في ظل ظروف مطر وبرد شديد، دون قبعة أو معطف.

ويُعتقد أن هذا قد ساهم في إصابته بالالتهاب الرئوي لاحقاً. وتوفي بعد شهر واحد من توليه منصبه، مما جعل فترة رئاسته هي الأقصر في تاريخ الولايات المتحدة.

وجاء في تاريخ نشرته هيئة الأرصاد الجوية الوطنية أنه أثناء مراسم أداء الرئيس هاريسون القسم لولاية ثانية في 4 مارس 1841، انهار عدد من الطلاب العسكريين وضباط البحرية الذين كانوا واقفين بالخارج بدون معاطف، ومنعت الريح العاصفة حتى المقربين منه على المنصة من سماع الخطاب.

وما زالت درجة الحرارة المنخفضة في صباح ذلك اليوم والتي بلغت 15 درجة مئوية تحت الصفر هي أقل درجة حرارة على الإطلاق لأحد أيام شهر مارس في واشنطن.

فصل ثانٍ من المواجهة بين الرئيس والإعلام

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيتوجب على الإعلام الأميركي التعامل مجدداً مع رئيس خارج عن الأنماط المتعارف عليها ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية لكن أيضاً، بحسب خبراء، في تنامي التهديدات المحدقة بحرّية الإعلام، في سياق اقتصادي يشتدّ صعوبة.

واعتبر آدم بينينبرغ الأستاذ المحاضر في الصحافة بجامعة نيويورك أن «المسألة لا تقضي بمعرفة إن كان ترامب سيهاجم الإعلام، فهو سيقوم بذلك» بل بالأحرى «إن كانت الوسائل الإعلامية ستصمد في وجه هذه الهجمات».

وشدّد على «جسامة هذا الرهان»، إذ «عندما تترنّح الصحافة، تدفع الديموقراطية الثمن».

ودعت صحيفة «نيويورك تايمز» التي نشرت وابلاً من الأخبار الحصرية عن البيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى الجمعة في افتتاحية إلى «التصدّي لتكتيكات التخويف التي يعتمدها دونالد ترامب».

وتوقّع بينينبرغ «ملاحقات قضائية ومضايقات وحملات تشهير في حقّ غرف التحرير» أكثر شدّة مما كانت عليه الحال في الولاية الأولى، مشيراً إلى ضرورة أن تعزّز المجموعات الإعلامية «فرقها القانونية وميزانياتها لمواجهة إجراءات تكميمية»، فضلاً عن أمنها السيبراني.

لم ينتظر ترامب البداية الرسمية لولايته الجديدة كي يخوض هذه المعركة. ففي منتصف ديسمبر، أطلق ملاحقات قضائية في حقّ الصحيفة المحلية في آيوا «دي موين ريجستر» ومجموعة محلية لاستطلاع الآراء إثر نشر استطلاع يشير إلى فوز كامالا هاريس في الولاية التي كانت من نصيب ترامب في نهاية المطاف.

وقبل أيّام وافقت قناة «أيه بي سي» على دفع 15 مليون دولار لإنهاء ملاحقات ضدّها على خلفية التشهير بالرئيس المنتخب. وبحسب «وول ستريت جورنال» التي كشفت عن الأمر أمس الأول، تدرس «سي بي إس» أيضاً احتمال التفاوض على اتفاق لوضع حدّ لملاحقات قضائية أطلقها ترامب متّهماً إياها بمحاباة كامالا هاريس في أحد برامجها الرئيسية. وكثّفت شخصيات أميركية كبيرة مؤثّرة في المشهد الإعلامي المبادرات تجاه ترامب، ولعلّ أبرزها كان إعلان مارك زاكربرغ رئيس «ميتا» التي تضمّ «فيسبوك» و«إنستغرام» التخلّي عن برنامج تقصّي الحقائق في الولايات المتحدة، ما يشكّل انتكاسة كبيرة لجهود احتواء التضليل الإعلامي.

ورأى مارك فيلدستين الأستاذ المحاضر في الصحافة في جامعة ماريلاند أن «قيام مديري وسائل إعلام تقليدية وشركات تكنولوجية كبيرة بخطب ودّ إدارة ترامب المقبلة من خلال التحبّب إليها مصدر قلق كبير».

وفي ظلّ احتدام المنافسة مع شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومات المضلّلة، تعاني وسائل الإعلام من تراجع عائداتها الإعلانية وثقة الجمهور على السواء.

ومنذ دخوله معترك السياسة وخصوصاً خلال حملته الأولى وولايته الأولى في البيت الأبيض، ساهم ترامب، الذي فجّر الفضائح والجدالات، في زيادة عدد متابعي بعض وسائل الإعلام والمشتركين فيها. لكنها عملة ذات وجهين، «عندما تُركز وسائل الإعلام على إثارة مشاعر الغضب والرفض، فإن هذا قد يساهم في نشر معلومات مضللة»، بحسب بينينبرغ. وصرّح الأستاذ الجامعي بأن «فترة ترامب الثانية ستختبر ليس فقط قدرة وسائل الإعلام التقليدية على التحمل أو التعامل مع الظروف الصعبة، ولكن أيضاً مدى جدواها».

«قيصر الحدود»: اعتقالات المهاجرين تبدأ بعد غد

وضع عناصر من شرطة الحدود الأميركية أسلاكاً شائكة بين مدينة إل باسو الأميركية في تكساس وجارتها المكسيكية سيوداد خواريز أمس الأول، كما أجرى عناصر الجمارك وحماية الحدود تدريبات أمنية قرب الجسر الدولي، الذي يربط بين المدينتين، عشية تنصيب دونالد ترامب، فيما أكد المسؤول الحدودي الكبير في إدارة ترامب، توم هومان، المعروف باسم «قيصر الحدود» أنه ستكون هناك مداهمات كبيرة في جميع أنحاء البلاد بحق المهاجرين غير المسجلين بعد غد الثلاثاء، أي في اليوم الأول لولاية ترامب الثانية. وترأس هومان الوكالة المكلفة الإشراف على حدود الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب السابقة (2017-2021) التي فُصل خلالها قرابة أربعة آلاف طفل عن ذويهم المهاجرين، ووضعوا قيد الاحتجاز. وقال ترامب، بعد فوزه، إنه يريد إعلان حال طوارئ وطنية لتنفيذ خططه الخاصة بالترحيل الجماعي لمهاجرين، وإنه ينوي في هذا الإطار اللجوء إلى القوات المسلحة. وتعليقاً على تقرير لـ «وول ستريت جورنال» عن اعتقالات في شيكاغو، قال هومان إن الحملة لا تشمل فقط المدينة التي أعلنت نفسها «ملاذا» للمهاجرين، وتعهدت بعدم اعتقالهم لمجرد عدم تمتعهم بوضع المهاجرين القانوني. وذكر دون تيري، المتحدث باسم شرطة شيكاغو، لـ «نيويورك تايمز»، أن الشرطة لن «تتدخل مع أي وكالات حكومية أخرى تؤدي واجباتها»، ولكنها «لا توثق حالة الهجرة ولن تشارك المعلومات مع سلطات الهجرة الفدرالية».

back to top