High Light: الألم منجم الإبداع

نشر في 17-01-2025
آخر تحديث 16-01-2025 | 20:23
 د. حمود حطاب العنزي

«أظن أن الموضوع بحاجة إلى تفسير نفسي، فهل تفيدنا بشيء في الباب، يا خير الصحاب؟ السؤال من السفير السابق لخادم الحرمين الشريفين في الإمارات الأستاذ تركي الدخيل.

الموضوع مركب ومعقد، ولا سيما في تحليل الدافعية لأنها تمس بشكل مباشر سمات الشخصية، ويستحق هذا الموضوع إخضاعة لمزيد من الدراسة والبحث، فحالة الفرد النفسية أظن أنها حاضرة به وبقوة، وهذا ما قصده بالفعل الناقد والكاتب الإماراتي محمد نور الدين حين ذكر: «أن الحزن يكون أحياناً منحى إنسانياً معبراً، لأن المشاعر فيه تتجرد من كل شيء، وترتكز على مرحلة مهمة من الحياة»، وهذا بالضبط ما عبر عنه «مجنون ليلى» بهذه الأبيات:

وَداعٍ دَعا إِذ نَحنُ بِالخَيفِ مِن مِنىً

فَهَيَّجَ أَحزانَ الفُؤادِ وَما يَدري

دَعا بِاِسمِ لَيلى غَيرَها فَكَأَنَّما

أَطارَ بِلَيلى طائِراً كانَ في صَدري!

يقال عندما سمع المنادي صاح باسمها وفقد الوعي! فسماع اسم ليلى ذكره بحالة الفقد والاشتياق التي يعيشها باستمرار، فنتج هذا الإمتاع وحال «متمم بن نويرة» شبيهة بحال «قيس» عاش بقية حياته حزناً على أخيه مالك فاشتهر وأبدع بسبب ما يعانيه من ألم:

إنَّ الشَّجَا يَبْعَثُ الشَّجَا

فدَعنِي فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مَالِكِ

لا يرى قبراً إلا بكى، وتذكر مالك وأنشد فيه، البيت من قصيدة «تعتبر من عيون مراثي الشعر العربي» كما ذكر الدخيل، فالحالة النفسية لكليهما في تلك المواقف فجرت المكنون بشاعرية مرهفة.

وهذا «عنترة بن شداد» حول آلام العبودية إلى ملاحم بطولة وإبداع شعري يفوق الوصف:

ما ساءَني لَوني وَاسمُ زَبيبَةٍ

إِذ قَصَّرَت عَن هِمَّتي أَعدائي

ويقول في قصيدة أخرى:

يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبيبَةٍ

وَعِندَ صِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ

ختاماً: هذا ليس كل ما يقال عن الحالة النفسية التي يكون سببها الألم وعلاقتها بالإبداع، ولو خضعت هذه الأفكار لمزيد من النقاش النقدي المثمر لتتبلورت منه مجموعة من الأفكار التي يمكن أن تكشف لنا عن ماهية الدافعية وعلاقتها المباشرة بسمات الشخصية للفرد المبدع، وهذه دعوة مباشرة لكل الدارسين للبحث والتحليل.

نشكر سعادة السفير على هذا الإثراء بطرحه هذا السؤال، ودمتم بخير.

back to top