اتفاق غزة... لغط يحيط به وواشنطن غير قلقة من انهياره
نتنياهو يناور سياسياً ويتحدث عن تعديل تفاصيل... و«حماس» تؤكد موافقتها على المقترح كاملاً
• تصعيد ميداني في القطاع يودي بعشرات الفلسطينيين
• الكويت لإنهاء الاعتداءات وإيصال المساعدات
على وقع ضبابية تنذر بوأد الصفقة المعلن عنها منذ ساعات، تمسكت حركة حماس، أمس، باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، نافيةً مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن تراجعها عن بعض البنود، التي أكدت الدوحة وواشنطن دخولها حيز التنفيذ بعد غد الأحد.
وفي ظل تصاعد الضغوط الداخلية من شركائه بالائتلاف المتطرف، واصل نتنياهو التصعيد العسكري، مع مماطلته في الإعلان الرسمي عن الصفقة، والترويج لمزاعم عن «مطالب جديدة» من «حماس» تشمل حق الفيتو على عدد محدود من الأسرى تعتبرهم رموزاً، مشدداً على أن مجلس الوزراء المصغر لن يجتمع للتصديق على الصفقة حتى تتراجع الحركة عن «ابتزاز التنازلات في اللحظة الأخيرة».
وعلى الفور، قال القيادي في «حماس»، سامي أبو زهري: «الحركة ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الوسطاء، ولا أساس لمزاعم نتنياهو عن تراجعها» عن أي بنود، مطالباً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بـ «إلزام الاحتلال بتنفيذه».
ورغم الارتياح الدولي الواسع لإنجاز الصفقة، فقد أعطى مكتب نتنياهو الإيحاء بأن تفاصيل تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار لم تُحسَم بعد، مشيراً إلى إمكانية سحب وفد التفاوض من الدوحة إن لم يحصل اختراق.
محور فيلادلفيا
وضمن محاولاته طمأنة الشركاء على أن الاتفاق لم يُحسَم بعد، ويمكن عرقلته بأي لحظة، أصدر مكتب نتنياهو بيانًا ادّعى فيه أن إسرائيل لن تنسحب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، نافيًا «التقارير المضللة»، التي تشير إلى أن البنود المتعلقة به تنص على «خفض القوات تدريجيًا خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، وفق الخرائط المتفق عليها.
وأكد البيان أن إسرائيل ستبقى متمركزة في المحور خلال جميع أيام المرحلة الأولى من الاتفاق، التي تمتد لـ 42 يومًا، مع الإبقاء على حجم القوات الحالي، ولكن مع إعادة انتشارها بما يشمل نقاط مراقبة، ودوريات، ومواقع سيطرة على طول المحور.
وفي وقت سابق، أرسلت إدارة الأسرى التابعة لمكتب نتنياهو رسالة لعائلات المحتجزين بغزة جاء فيها أن «حماس» أضافت في الساعات الأخيرة «مطالب جديدة تخالف الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الوسطاء».
وادعت الإدارة أنه حتى هذه اللحظة، لم يتم الاتفاق على التفاصيل النهائية للصفقة، وأن فريق المفاوضات يواصل جهوده للتوصل إلى حل. ونتيجة لذلك، لم يتم إصدار بيان رسمي حتى الآن حول نجاح المفاوضات، ولم يتم تحديد موعد لانعقاد «الكابينيت».
وقبل الإعلان الرسمي عن الصفقة، يسعى نتنياهو إلى التوصل لاتفاق نهائي مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يطالب بالعودة للحرب فور انتهاء المرحلة الأولى، ويطرح تهديدات جدية بالانسحاب من الحكومة، تزامناً مع العمل على خطة تهدف إلى تقليص نفوذ وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، عبر استقطاب أعضاء من حزبه لدفعهم إلى الانشقاق وتقسيم كتلته البرلمانية.
كيربي يطمئن
وفي واشنطن، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، أن هناك تفاصيل يتعين توضيحها وستتم تسويتها، ولا صحة للتقارير بأن اتفاق وقف إطلاق النار قد ينهار، وسيبدأ تنفيذه يوم الأحد، مشدداً على أن بايدن وخليفته دونالد ترامب يتقاسمان الهدف نفسه في إنهاء هذه الحرب وتحرير الرهائن.
وقال كيربي: «ما دفع حماس للعودة إلى الطاولة هو عزلتها بعد القضاء على قوتها وتحييد قادتها، وعدم قدرة إيران على دعمها»، مضيفاً: «خلال تنفيذ المرحلة الأولى يتعين على الجانبين التفاوض على بدء المرحلة الثانية التي ستنهي الحرب، والنقطة الحرجة الكبرى التي توصلنا للمرحلة الثانية هي إنجاز ما تم الاتفاق عليه في المرحلة الأولى».
وفي مصر، شدد وزير الخارجية، بدر عبدالعاطي، أمس، على أهمية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وضمان سريانه بمراحله المختلفة بالتنسيق الكامل مع قطر والولايات المتحدة.
وأكد عبدالعاطي، في اتصال مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، أهمية تكثيف المساعدات خلال المرحلة المقبلة على نطاق واسع في جميع أنحاء القطاع وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية وعودة النازحين.
وفي إطار «الإعداد لتنفيذ الاتفاق»، أعلنت هيئة الاستعلامات المصرية، أمس، أن بعثة مراقبة أوروبية ستصل الأسبوع المقبل لوضع آلية لإعادة تشغيل الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
الكويت وغيران
إلى ذلك، رحّبت دولة الكويت والأمم المتحدة وقادة العالم بإعلان رئيس وزراء قطر وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن، مساء أمس الأول، التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و»حماس» اعتباراً من بعد غد الأحد وتبادل الرهائن والأسرى.
وأعربت وزارة الخارجية عن ترحيب الكويت بإعلان الاتفاق، مؤكدة أهمية أن يسهم في وقف دائم لإطلاق النار بغزة، وإنهاء الاعتداءات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
وثمنّت الكويت الجهود المكثفة المبذولة من المجتمع الدولي، وبالأخص قطر ومصر والولايات المتحدة وكل الجهات التي ساهمت في إنجاح هذا الاتفاق، آملة وضع حد لمعاناة الفلسطينيين وإيصال المساعدات لهم من دون تأخير وبشكل مستمر.
وجددت وزارة الخارجية تأكيد موقف الكويت الثابت في دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود الرابع من يونيو 1967.
وفي إيران، اعتبر المرشد الأعلى علي خامنئي أن «صبر سكان غزة وثبات المقاومة أجبرا الكيان الصهيوني على التراجع»، معتبرا أن إسرائيل «هُزمت».
كما رحب الحرس الثوري بالاتفاق، باعتباره «انتصارا» للفلسطينيين و»هزيمة» لإسرائيل. وقال في بيان إن «نهاية الحرب وفرض وقف إطلاق النار انتصار واضح وانتصار عظيم لفلسطين، وهزيمة أكبر للنظام الصهيوني الوحشي».
ورأى رئيس البرلمان، محمد قاليباف، أن الاتفاق «جعل النظام الصهيوني يفشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي»، داعيا إلى «التحرك لمعاقبته وتضميد جراح الأمة الفلسطينية».
تصعيد ميداني
وفي خضم الترحيب الدولي والآمال بوقف القتال وزيادة المساعدات الإنسانية لمّ شمل الأسرى والرهائن مع عائلاتهم بعد أكثر من 15 شهراً في الاحتجاز، وسّع الجيش الإسرائيلي، أمس، هجماته الجوية على قطاع غزة، وواصلت مدفعية زوارقه الحربية قصف المربعات السكنية ونسف المنازل.
ومع دخول الحرب على غزة يومها الـ 468، واصل الجيش الإسرائيلي الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب والمجازر المروعة بحق النازحين، ومحاولات تهجير سكان شمال القطاع.
وأعلن المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أمس، أن قوات الاحتلال قتلت منذ لحظة إعلان الاتفاق 82 بينهم 61 في مدينة غزة وحدها، وأكثر من 19 طفلًا و24 سيدة، إضافة إلى أكثر من 200 إصابة. وأكد أنه يواصل قصفه للقطاع حتى اللحظة، وسط تصاعد في أعداد الضحايا واستمرار معاناة السكان المدنيين.
وأكد الجيش الإسرائيلي، أمس، إصابة 10 جنود إسرائيليين جراء انفجار ذخيرة داخل قاعدة تدريب، وقال إن 3 أصيبوا بجروح متوسطة و7 إصابتهم طفيفة، وأشار إلى أن الحادث قيد التحقيق.
خسائر غزة بعد الحرب
• أكثر من 46.000 شهيد و110 آلاف مصاب.
• دمار واسع النطاق... 85 بالمئة من البنية التحتية مدمرة.
• 400.000 مسكن تضرر بالكامل وإعادة بنائها قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل.
• 1.9 مليون نازح يحتاجون إلى مأوى و80 بالمئة منهم بلا أمن غذائي و90 بالمئة بلا مياه نظيفة.
• أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجدا و3 كنائس دمرت.
• 33 مستشفى تعطلت.
• إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلّفه القصف سيستغرق 14 عاما ويكلف 1.2 مليار دولار.
• أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تدهورت بسبب الصراع.
• 15 ألف رأس من الماشية (95 بالمئة من إجمالي الماشية)، ونحو نصف الأغنام، ذبحت أو نفقت منذ بدء الصراع.
• تعرّضت 82 بالمئة من الشركات الخاصة التي تعتبر المحرك الرئيسي لاقتصاد غزة، للضرر أو الدمار.
• حتى مطلع مايو 2024، قدّرت الأمم المتحدة أن إعادة الإعمار ستكلف ما بين 30 و40 مليار دولار.
اضطرابات جيوسياسية مهدت للهدنة وبقاء نتنياهو في السلطة
قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن الشروط العامة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه إسرائيل و»حماس» بعد عام من المفاوضات العقيمة ليست مختلفة جوهرياً عن الشروط التي كانت متاحة للطرفين قبل 8 أشهر، لكن ما قلب الموازين هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استطاع تعزيز وضعه السياسي تزامناً مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وتهديده بأن عدم التوصل الى اتفاق «لن يكون جيداً لأي أحد» بما في ذلك نتنياهو.
بدورها، قالت وكالة فرانس برس أن نتنياهو يواجه منذ أشهر ضغوطاً من حلفائه السياسيين وعائلات الرهائن والجنود لإنهاء حرب غزة، لكن محللين يقولون إنه يأمل الآن أن يساعده وقف إطلاق النار على البقاء في السلطة.
وأوضحت «وول ستريت جورنال» أن نتنياهو قضى النصف الأول من العام الماضي في صراعات مع خصوم سياسيين ومحاولة الحفاظ على ائتلافه الحاكم، وكان عالقاً في حرب استنزاف مع «حماس» في غزة ومواجهة تهديدات خطيرة من إيران وميليشيا حزب الله المتحالفة معها في لبنان.
وأضافت: ثم انقلبت الموازين، حيث قتلت إسرائيل زعيم «حماس»، يحيى السنوار، في غزة ووجهت ضربات قاسية لحزب الله في عمليات دفعت الجماعة لقبول وقف إطلاق النار في لبنان ووجّه ضربة استهدفت إيران دمرت معظم دفاعاتها الجوية، كما انهار نظام الأسد في سورية، مما أحدث ثغرة أكبر في شبكة الميليشيات الإيرانية، وعزز نتنياهو قاعدته السياسية في الداخل مع تصاعد الدعوات الفلسطينية لتشكيل حكومة بديلة لقطاع غزة.
وذكرت أنه في الوقت نفسه، دفعت عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الوشيكة إلى منصبه الطرفين للتحرك، وصرّح ترامب الأسبوع الماضي أن «كل الجحيم سينفجر في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل يوم تنصيبه في 20 يناير، ولم يوضح ما يقصده، لكنه قال الأسبوع الماضي إنه لن يكون جيداً لـ «حماس» أو «بصراحة لأي أحد».
وقالت إنه تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، وسيتم تنفيذه على مراحل تبدأ بتبادل الرهائن مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ثم الانتقال إلى محادثات حول إنهاء أوسع للقتال من المحتمل أن تكون مثيرة للجدل، حيث لا تزال إسرائيل و»حماس» على خلاف بشأن ضرورة وقف القتال بشكل دائم.
وتقول سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «تشاتام هاوس» في لندن: «أعتقد ان الضغط الأميركي، الذي جاء مباشرة من الرئيس ترامب، كان دافعاً كبيراً، خصوصاً لرئيس الوزراء نتنياهو»، لكنها أضافت أن «هذا الاتفاق هش جداً».
وواجه نتنياهو طوال أشهر اتهامات من داخل مؤسساته الأمنية بالتباطؤ في التوصل إلى اتفاق لتجنب اتخاذ قرارات قد تُغضب شركاءه اليمينيين وتهدد مستقبله السياسي. وعززت النجاحات العسكرية الإسرائيلية منذ سبتمبر، موقف نتنياهو السياسي. وقال مكتب رئيس الوزراء قبل اتفاق وقف إطلاق النار إن تلك الإنجازات خلال الحرب، والضغط الذي مارسه الرئيس الأميركي المنتخب، أجبر «حماس» في النهاية على التوصل إلى هدنة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ريخمان الإسرائيلية، غادي ولفسفيلد: «نتنياهو توصل في الأساس إلى استنتاج أنه يمكنه إبرام هذا الاتفاق، والبقاء في السلطة، والحصول على بعض الفضل في استعادة الرهائن».
في المقابل، تشير الصحيفة إلى أن التحول نحو وقف إطلاق النار بالنسبة لـ «حماس» كان في أكتوبر عندما قتلت إسرائيل السنوار، زعيم الحركة ومهندس الهجمات التي أشعلت الحرب. وكان السنوار يدفع «حماس» إلى الموافقة على اتفاق يضمن إنهاء القتال بشكل دائم وبقاءه في السلطة.
ويقول ولفسفيلد: «المفاوضات الحقيقية ستكون في المرحلة الثانية»، لكنه أضاف: «أعتقد بالتأكيد أن ترامب سيرغب في استمرار وقف إطلاق النار. لا يريد حرباً مستمرة إذا كان بإمكانه تجنبها».
وبحسب المشاركين في المفاوضات، فإن ستيف ويتكوف، رجل الأعمال العقاري الذي عيّنه ترامب مبعوثاً للشرق الأوسط، أعطى زخماً جديداً للمحادثات.
وعملت إدارة بايدن على دفع الاتفاق مع ويتكوف، الذي قال الوسطاء العرب إنه أوضح منذ البداية أنه جاد في دفع الاتفاقية وغير مهتم بإيماءات دبلوماسية بلا نهاية، والتقى ويتكوف يوم السبت في إسرائيل مع نتنياهو.
ويقول سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين: «يبدو أن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص، حقق في اجتماع واحد مع نتنياهو ما لم يستطع عشرات المسؤولين في إدارة بايدن تحقيقه».
وعيّن ترامب عدداً من أصدقاء إسرائيل منذ فترة طويلة لفريقه الخاص بالشرق الأوسط، ويقول المحللون إن نتنياهو سيحتاج إلى مساعدة الإدارة أثناء مواجهته لإيران، ومحاولته تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وسعيه لإبرام اتفاق تطبيع مع السعودية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي أبراهام ديسكين،: «طالما كان الضغط قادماً من إدارة بايدن، يمكنك المماطلة. ولكن كان هناك دائماً احتمال قدوم ترامب. مع ترامب، لا يمكنك فعل ذلك، لأنك لن تجد شيئاً أفضل لإسرائيل في الأفق».