باهرة عبداللطيف: الشعر معيار صادق لقياس الحالة الإنسانية

احتفت بصدور مجموعتها الجديدة «نساء على باب القصيدة»

نشر في 13-01-2025
آخر تحديث 12-01-2025 | 21:12
 الأديبة باهرة عبداللطيف
الأديبة باهرة عبداللطيف
لا تتوقف الأديبة العراقية المقيمة في إسبانيا باهرة عبداللطيف عن إدهاشنا دائماً بعمل جديد مائز مرتبط بإبداعها في القصة أو الشعر أو حتى في مجال الترجمة. وبمناسبة صدور مجموعتها الشعرية الجديدة «نساء على باب القصيدة»، التقتها «الجريدة» في هذا الحوار، الذي أكدت فيه أن الشعر معيار صادق لقياس الحالة الإنسانية، وأنه حين يكون نابعاً من رحم الألم، مثلما هو حال الشاعر العربي، فإنه يلامس القارئ حيثما كان.

• ما فكرة مجموعتك الشعرية الجديدة «نساء على باب القصيدة»؟

- كتبت نصوص هذه المجموعة على مراحل مختلفة من حياتي في الأعوام الأخيرة. وقد تخللتها ظروف صعبة جداً. فعلى المستوى الشخصي اجتزت أصعب اختبار صحيّ أعادني إلى ذاتي، وكان بمنزلة نقلة تحوُّل على مستوى تفكيري. وتجمَّعت لديَّ نصوص كثيرة في تلك الفترة، منها عن الوطن أصدرتها في ديوانين سابقين، وكتابات أخرى تتعلَّق في معظمها بي وبالنساء من حولي، من شقيقات وصديقات وزميلات - ومجهولات أحياناً - مقاومات ومتمردات، ومغدورات أيضاً، ممن وجدتُ نفسي موزعة بينهن جميعاً، فكان هذا الديوان. والاسم هو تحصيل حاصل لمضمون المجموعة الشعرية، حيث تتراءى صور النساء، الجميلات بما يحملن في دواخلهن، ومن خلال أدوارهن المتنوعة وانفعالاتهن.

• أطمح في أن تكون كلماتي عوناً لقارئ موحش الروح


غلاف كتاب «نساء على باب القصيدة» غلاف كتاب «نساء على باب القصيدة»

• كيف تختلف هذه المجموعة عن أعمالك السابقة؟

- في مجموعاتي الشعرية السابقة كان الهمُّ العام هو شاغلي الأكبر، ففي ديوان «حرب تتعرى أمام نافذتي» كنت أهجو الحرب من خلال استعارات متنوعة. فثمة حرب «المُلْهِم» وحرب «المُخَلّص» وحرب «المؤمن»، وحرب الأزل في العلاقات الاجتماعية عامة، وحرب العلاقة بين الرجل والمرأة.

وكذلك في ديواني «لي منزل هناك» كُنت أتحدث عن غياب الوطن، وعن فكرة خلود منزل الروح، بعد تلاشي منزل الحجر في مدينتي الحبيبة بغداد.

أما في هذا الديوان، فقد عُدت إلى انشغالي الذي رافقني طوال حياتي: وضع النساء من حولي، سواء عندما كنت في الوطن أو في مغتربي منذ ثلاثين عاماً في إسبانيا، حيث كرَّست الكثير من كتاباتي والعشرات من محاضراتي لبحث وضع النساء العربيات والمسلمات في الغرب.

• الموت ثيمة متكررة في شعري بوصفه نهاية مأساوية للمصير الإنساني

• ماذا يعني لك تواصل الشعر مع أناس قد لا تجمعك بهم معرفة مباشرة؟

- نعم، أهديت بعض نصوصي الشعرية إلى نساءٍ ربطتني بهن مواقف إنسانية أثرت فيّ، علماً بأن كتاباتي الشعرية في مُجملها إنسانية المضمون، وتتصادى مع تجارب الكثير من القرَّاء والقارئات، وكل ما أرجوه هو أن يجدوا فيها بعضاً من عزاء نحتاج إليه جميعاً في عالمنا الفظ هذا.

ربما لأني أشعر بامتنان كبير لعشرات الشعراء والشاعرات ممن قرأت لهم بلغات مختلفة ووجدت في أشعارهم سلوى ورفقة روحية في لحظات صعبة من حياتي، فبتّ أطمح – بتواضع - في أن أكون واحدة منهم، وأن تكون كلماتي عوناً لقارئ/قارئة موحش الروح.

• قصيدة «قبل الجنون» تحمل صوراً قوية، ماذا عن مصدر إلهامها ورسالتها؟

- «قبل الجنون» هي محاولة عاقلة للتصالح مع النفس، قبل التصالح مع الآخرين. كلنا يحتاج إلى التصالح مع ذاته ومع أخطائه كي نكون أقل قسوة في محاسبتها، وأيضاً كي نكون أكثر تعاطفاً مع زلات الآخرين من حولنا في علاقاتنا الإنسانية.

الكائن البشري ضعيف حد الشفقة، مهما بلغ من عتوّ. وحتى الجلاد يمكن محاورته بالعقل لا بالانتقام الذي هو لغة وفعل الضحية ونهج المقهورين دائماً، لذا نجد أن هناك حلقة مفرغة من العنف في حياتنا، وتبادلاً للأدوار على نحو مروِّع، بين دوري الجلاد والضحية، سواء على مستوى السياسة أو على مستوى العلاقات الإنسانية.

• أصداء القصيدة تتردد في أعماق كاتبها لزمن طويل ثم تتحرر بغتة

• كيف ترين الشعر كوسيلة للتعبير عن تعقيدات الزمن الذي نعيشه؟

- تنطوي قصيدة «تكرارات» على مفارقة ساخرة، إذ كنت أشكو فيها مرور الأعوام وسط رتابة الحياة وانتظار حدوث ما يغيِّر المشهد العام بلا جدوى. وما إن نشرتها في ختام العام حتى أطل العام الجديد التالي حافلاً بالمتغيرات (الكوبرنيكية)، وأهمها انتفاضة تشرين في العراق، وجائحة كورونا الكونية التي أودت بحياة الملايين، وهكذا جاء العام محمَّلاً بالأحداث الجسيمة التي كذَّبت نصِّي الشعري.

ويبقى الزمن موضوعة أثيرة في شعري، لا لأنه ثيمة طرقها معظم الشعراء، بل لأني - شأني في ذلك شأن كل الناجين من الموت- أشعر بمرور الزمن وثقله في كل لحظة، حتى لأكاد أرى الدقائق تمرُّ مُسرعةً من جانبي. أنا مهجوسة بالزمن، واحترام الزمن عامل لا غنى عنه لفهم حياتنا المعقدة والتعامل معها بمسؤولية.


غلاف ديوان «حرب تتعرى أمام نافذتي» غلاف ديوان «حرب تتعرى أمام نافذتي»

• ما المحور الرئيسي الذي تركزين عليه في كتاباتك؟

- في شعري تلاحِظ وجود ثيمات متكررة، من بينها «الموت»، بوصفه نهاية مأساوية للمصير الإنساني. وثمة تركيز على الموت المجاني تحديداً، بسبب العنف الذي عشناه في العراق، ومازلنا نعانيه في كثير من بلادنا العربية، وفي فلسطين على وجه الخصوص.

وكما تعلم، فالكتابة الشعرية ليست قصدية كالمقالة أو الرواية أو القصة أو المسرح. أعني أنك لا تخطط لكتابتها، بل إن القصيدة تفاجئ كاتبها في الأغلب، ربما من خلال جملة واحدة أو عبارة غامضة أو صورة شعرية. وقد تتردَّد أصداؤها في أعماق كاتبها لزمن طويل، ثم تتحرَّر بغتة بلا سبب مفهوم، وفي هذه العفوية تكمن براءتها. وفي المراحل اللاحقة يتقدَّم حس الناقد لدى الشاعر ليشذِّب ويعدِّل. لذا أنا لا أخطط للشعر ولا لثيماته، علماً بأن هناك في الغرب اليوم من الشعراء مَنْ يأخذ إجازة وينعزل في منزل ريفي أو قُرب الشاطئ شهرين أو ثلاثة أشهر ليكتب ديوانه الجديد! وقد أعدَّ سلفاً موضوعه، الأمر الذي لم ولن أفهمه أبداً!

• الشعر النابع من رحم الألم يلامس القارئ حيثما كان

• كيف ترين مشهد الشعر العربي اليوم؟

- نحن نعيش في عصر من الفوضى الضاربة في شتى المجالات، وهذه الحالة انعكاس لوضع العالم المضطرب من حولنا، بسبب التغوُّل الذي يمارسه بعض القوى العالمية المهيمنة، وانسحاق الإنسان إزاءها. ولأن الشعر هو معيار صادق لقياس الحالة الإنسانية، فأنا لا أستغرب حالة الفوضى التي تدب في جسد الشعر العربي وتعبيراته، خصوصاً مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، وسهولة النشر، وغياب المدقق اللغوي ولجان الخبرة التي تحكم على جودة النص الشعري.

رغم ما أسلفت، يبقى الشعر العربي متقدماً مقارنة بالآداب العالمية الأخرى، بحُكم العذاب الإنساني الذي يستشعره الإنسان العربي، والشعر النابع من رحم الألم يلامس القارئ حيثما كان.

back to top