ترامب يثير حماساً «استقلالياً» في غرينلاند وموجة غضب قومي في بنما
أثارت تهديدات الرئيس الأميركي بالسيطرة على إقليم غرينلاند القطبي، الذي يتمتع بحكم ذاتي تحت سيادة الدنمارك، وقناة بنما، ردود فعل متناقضة، حيث يبدو أنها منحت دفعة لحركة الاستقلال في غرينلاند، فيما فجرت موجة من المشاعر القومية في بنما.
وتأتي تصريحات ترامب عن شراء غرينلاند، التي يقيم فيها 57 ألف شخص قبل انتخابات مقررة في أبريل المقبل بالإقليم قد تشعل شرارة الاستقلال، بعد أن حصلت الأحزاب المؤيدة للاستقلال في الانتخابات السابقة، على 80% من الأصوات. وتقول الحكومة الدنماركية إنها مستعدة لمنح غرينلاند استقلالًا كاملًا إذا كان هناك دعم محلي.
ومثل العديد من حركات الاستقلال، تصطدم حملة استقلال غرينلاند بحالة من عدم اليقين حول ما سيحدث لاحقاً. وقد صرحت الحكومة الدنماركية أنه إذا أصبحت غرينلاند مستقلة، فستوقف حوالي 600 مليون دولار من المساعدات السنوية، وهو ما يمثل نصف ميزانية الجزيرة تقريباً، مما يثير الشكوك حول كيفية تمويل الدولة الجديدة نفسها.
ويقول أولريك برام غاد، الباحث البارز في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، إن تهديد ترامب الأخير بحرب تجارية مع الدنمارك يغير ديناميكيات التفاوض.
وكان ترامب قال مساء الخميس الماضي: «شعب غرينلاند سيحب أن يصبح ولاية من ولايات الولايات المتحدة الأميركية. الآن، قد لا يعجب ذلك الدنمارك. لكننا قد لا نكون سعداء جدا مع الدنمارك، وربما يتعين أن تحدث أشياء فيما يتعلق بالدنمارك فيما يخص التعريفات الجمركية».
ويشير غاد إلى أن الحكومة الدنماركية قد تكون أكثر انفتاحاً على التوصل إلى اتفاق طلاق يتضمن استمرار بعض المدفوعات لتسهيل طريق غرينلاند نحو الاستقلال.
ويقول بيليه بروبيرغ، زعيم حزب «ناليرا» أحد أحزاب المؤيدة للاستقلال في غرينلاند «ما قاله ترامب هو أننا محل تقدير في الولايات المتحدة، وهو يريد مساعدتنا»، مضيفاً: «يمكننا أن نصبح مستقلين بمساعدة دول أخرى»، لكنه أضاف أنه لا يرغب في أن تصبح غرينلاند جزءاً من الولايات المتحدة.
وقبل أيام فقط من زيارة دونالد ترامب الابن الى الجزيرة القطبية، ألقى رئيس وزراء غرينلاند موته إيغيدي خطابًا بمناسبة العام الجديد للأمة يقول فيه إنه قد تم إعداد مسودة دستور للبلاد، وأنه يجب الشروع في عملية الاستقلال.
وفي عام 2009 صدر قانون دنماركي يحدد كيف يمكن لغرينلاند أن تخطو الخطوة الأولى في العملية: يجب أن تخطر الحكومة الدنماركية، وأن يتفاوض الطرفان على اتفاق طلاق، ثم يجب التصديق على الاتفاقية من خلال استفتاء في غرينلاند.
ويرغب دعاة الاستقلال في غرينلاند في تبني نموذج «الارتباط الحر» مع واشنطن، على غرار العلاقة بين جزر مارشال والولايات المتحدة أو جزر كوك ونيوزيلندا.
وسيسمح هذا المفهوم لغرينلاند بأن تكون دولة ذات سيادة، وعضوا في الأمم المتحدة، مع استمرار تلقيها المنح المالية والضمانات الأمنية من دولة شريكة أغنى.
واعترف بعض مستشاري ترامب بشكل خاص بأن بيع غرينلاند أمر غير محتمل، لكن توسيع الوجود العسكري والمالي للولايات المتحدة في الجزيرة أمر ممكن.
ويقول برام غاد، من المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، إن فكرة أن الولايات المتحدة تحتاج إلى شراء غرينلاند لتحقيق أهدافها الجيوسياسية هي فكرة «جنونية»، حيث إن معاهدة 1951 بين واشنطن وكوبنهاغن تمنح الولايات المتحدة مسؤولية كبيرة عن دفاع غرينلاند. ولدى الولايات المتحدة قاعدة «بيتوفيك» الفضائية في شمال غرب غرينلاند والتي لا تدفع إيجاراً مقابلها. وقد نجحت الولايات المتحدة في وقف الاستثمارات الصينية في البلاد، بما في ذلك اقتراح لبناء مدارج طائرات هناك.
في المقابل، أغضبت تصريحات ترامب عن «استعادة» قناة بنما، ولو بالقوة العسكرية، جميع أطياف المجتمع في بنما من المسؤولين الحكوميين إلى رجال الأعمال ونقابات العمال اليسارية، الذين أكدوا أنهم لن يتخلوا عن القناة أبدًا.
وخلال حدث سنوي يجري في يناير لتخليد ذكرى 21 بنمياً قتلوا على يد القوات الأميركية خلال أعمال شغب عام 1964 حول السيطرة الأميركية على القناة، سار متظاهرون إلى نصب تذكاري بالقرب من مكاتب إدارة القناة، حاملين دمية تمثل ترامب ملفوفة بالعلم الأميركي، وقاموا بحرقها.
وتعد القناة رمزاً لهوية وطنية لبنميين يبلغ عددهم 4 ملايين شخص، الذين يعتبرون الكفاح من أجل السيطرة عليها جزءاً من تاريخهم القومي.
ويعزي ترامب تهديداته بأن الصين تتفوق على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسيطرة على القناة، حيث تبني موانئ على جانبيها إلى جانب بنية تحتية أخرى، كما قال إن بنما تفرض رسومًا باهظة على السفن الأميركية لعبور القناة بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
لكن بنما نفت هذه الاتهامات، مؤكدة أن المعاهدة تنص على حيادية القناة، وأن جميع الدول تُحاسب بنفس الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت دول عديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، في مشاريع حول القناة، ومعظم البضائع التي تعبر القناة متجهة إلى الولايات المتحدة أو تحمل صادرات أميركية.
تصريحات ترامب عن احتمال التدخل العسكري أثارت قلقاً كبيراً في بنما، الدولة التي لا تملك جيشًا. البنميون يتذكرون غزو الولايات المتحدة لبلادهم في ديسمبر 1989، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 500 بنمي و23 جنديًا أميركيًا، وأطاح الجنرال مانويل نورييغا. منذ ذلك الحين، شهدت بنما ديموقراطية حيوية واقتصادا مزدهرا يُعد من بين الأعلى دخلًا في أميركا اللاتينية.
وقال أريستيديس رويّو، رئيس بنما الأسبق، إن دعم الولايات المتحدة لمعاهدات القناة قبل نصف قرن كان نابعًا من خوفها من أزمات مع أميركا اللاتينية. وأضاف: «مع هذا الحماس الوطني الآن، ستحتاج الولايات المتحدة إلى 500 ألف جندي لحماية القناة».