تدخلات ماسك السياسية تستفز الأوروبيين
ألمانيا تصف تعليقاته بالعدوان... وستارمر يدين «أكاذيبه المضللة»
بات أغنى رجل في العالم، الملياردير الأميركي إيلون ماسك، على وشك قلب موازين أوروبا مع إثارته عاصفة في التيار السياسي السائد حول قضايا الهجرة وحرية التعبير، متسبباً في خلق معضلة أمام الحكومات في محاولتها التعامل مع إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة.
وتسببت مواقف ماسك المثيرة في جدل واسع خلال الأيام الماضية، بما في ذلك دعمه لحزب «البديل» اليميني المتطرف قبل الانتخابات المهمة بألمانيا، واتهامه لرئيس الوزراء البريطاني بالتواطؤ في جرائم اغتصاب، وانتقاده للقضاة في إيطاليا، ومهاجمته للمفوضية الأوروبية.
وقلبت منشورات ماسك، التي يتابعها 211 مليوناً على منصته إكس، موازين السياسة الأوروبية وتحولت إلى صداع دبلوماسي، وأربكت العديد من الأحزاب الكبرى والحاكمة.
ومع اقتراب تنصيب ترامب، يتوخى العديد من القادة الحذر في انتقاد ماسك علناً، خوفاً من إلحاق الضرر بالعلاقات أو دفعه إلى مضاعفة هجماته. لكن منشوراته المتكررة بدأت تؤثر على أجندة الأخبار في العديد من الدول الأوروبية، مما يجعل تجاهلها أمرًا مستحيلاً.
ويشعر القادة الأوروبيون غير الشعبيين بالقلق من أن ماسك قد يستخدم «إكس» لحشد الناخبين الساخطين في وقت أدى فيه النمو الاقتصادي الضعيف إلى تآكل الثقة في السياسة السائدة وزيادة عدم الاستقرار السياسي.
ويبرز أسلوب ماسك الصدامي تحدياً يواجهه الحلفاء في التعامل مع رئاسة ترامب، الذي اضطرت الحكومات الأجنبية للتعامل مع منشوراته غير المتوقعة في ولايته، والآن، عليهم أن يتعاملوا أيضاً مع ماسك، أبرز مستشاريه.
وبينما فشل المستشار السابق لترامب، ستيف بانون، في بناء شبكة من الأحزاب اليمينية قبل انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، يمكن أن يكون ماسك أكثر نجاحًا، حيث يركز على الاستحقاقات الوطنية الأوروبية مسلحًا بموقع إكس. وقال الباحث بالمجلس الأوروبي خوسيه توريبلانكا: «يرى نفسه منقذًا للديموقراطية الأميركية من التقدميين، ويعتقد أن هذا يجب أن يستمر في أوروبا أيضًا».
وكانت بريطانيا هدفًا لماسك، وسيطرت منشوراته على انتقاده لستارمر لعدم بذل المزيد لمحاكمة مسلمين من أصول باكستانية اغتصبوا أكثر من 1000 فتاة صغيرة في عدة بلدات.
وقضى ستارمر جزءًا كبيرًا من مؤتمر صحافي في الرد على منشورات ماسك، مدافعاً عن سجله في محاكمة مغتصبي الأطفال أثناء شغله منصب المدعي العام منذ أكثر من عقد، ومؤكداً أنه أعاد فتح العديد من القضايا المغلقة وأصلح الطريقة التي يتم بها مقاضاة مثل هذه الجرائم. كما دان «الأكاذيب والمعلومات المضللة» التي قال إنها تقوض الديموقراطية في المملكة المتحدة.
وقبل مؤتمر ستارمر، ثبت ماسك رسالة على رأس حسابه في «إكس»: «على أميركا تحرير شعب بريطانيا من حكومتهم الاستبدادية».
وفي إشارة إلى نفوذ أغنى أغنياء العالم، كشفت وزيرة الداخلية، يفيت كوبر، التي انتقدها ماسك بشدة، عن تشريع يجعل التستر أو الفشل في الإبلاغ عن مزاعم استغلال الأطفال الجنسي جريمة.
كما دعا ماسك مرارًا للإفراج عن اليميني المتطرف تومي روبنسون، المسجون بتهمة ازدراء المحكمة، بعد تكرار مزاعم كاذبة ضد لاجئ سوري. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تخلى ماسك عن نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح اليميني، بعد أن قال الأخير إنه لن يدعم انضمام روبنسون إلى حزبه.
وفي لقاء مطوّل مع سفرائه، تطرق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأول، لمواقف ماسك، بقوله: «قبل 10 سنوات، لو قال لنا أحد إن مالك واحدة من أكبر شركات وسائل التواصل سيدعم حركة رجعية دولية جديدة ويتدخل مباشرة في الانتخابات، بما في ذلك ألمانيا، من كان ليصدق ذلك؟».
وفي ألمانيا، يخشى بعض الاستراتيجيين والسياسيين أن يؤثر ماسك، الذي وصف العام الماضي المستشار أولاف شولتز بـ «الأحمق»، على الانتخابات المقررة في فبراير.
وفي الأسابيع الأخيرة، ألقى بثقله وراء حزب البديل اليميني المتطرف الداعي إلى خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي ورفع العقوبات عن روسيا، قبل أن يستضيف رئيسته أليس فايدل في محادثة مباشرة غداً، وكتب مقالًا في صحيفة فيلت أم زونتاج البارزة يصف حزبها بأنه «الشرارة الأخيرة من الأمل لألمانيا».
وقال رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، الأوفر حظًا للفوز في انتخابات فبراير، إن تدخل ماسك «تعدٍّ غير مقبول، ولا أستطيع أن أتذكر حالة مشابهة للتدخل في حملة انتخابية لدولة صديقة في تاريخ الديموقراطيات الغربية».
بدوره، أعلن المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، توماس رينييه، أمس الأول، توسيع تحقيق قائم حول «إكس» ليشمل البث المباشر لماسك مع رئيسة حزب البديل. وقال: «لديك حرية التعبير عن آرائك، لكنْ هناك حدود لذلك». وقد سبق أن قال ماسك إنه سيطعن في أي نتائج تصدرها المفوضية ضد «إكس» في المحكمة.
وبالنظر إلى أن ماسك يدير نحو 6 شركات، بما في ذلك «سبيس إكس» و»تسلا»، ويشارك أيضًا في رئاسة إدارة الكفاءة الحكومية الجديدة، أعرب بعض المسؤولين الأوروبيين عن دهشتهم من قدرته على التركيز على الشؤون الداخلية لدولهم.
وكشف المتحدث باسم حزب فايدل الألماني، دانييل تاب: «كنا على اتصال مع موظفي ماسك منذ الصيف الماضي عندما طلبوا وثائق عن برنامجنا. لكن التأييد في ديسمبر جاء كمفاجأة».
على النقيض، تُعتبر رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، واحدة من قادة أوروبا الغربية القلائل الذين يعجب بهم ماسك. وقد التقى الاثنان عدة مرات. ودافعت ميلوني عن صداقتها معه بعد أن سألها رئيس الوزراء السابق، عضو مجلس الشيوخ ماريو مونتي، بشأن علاقاتها معه.