كيف يمكن للكويت أن تتبنى زراعة الزيتون لتعزيز الاكتفاء الذاتي؟

نشر في 08-01-2025
آخر تحديث 07-01-2025 | 18:51
 فوزية أبل

وسط التغيرات المناخية الحادة التي يشهدها العالم، والتي تلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة، بداية من ارتفاع درجات الحرارة وصولاً إلى فترات الجفاف الطويلة والظواهر الجوية القاسية، يُعد الأمن الغذائي أحد أبرز المتأثرين بهذه التحولات، حيث أصبحت المحاصيل الزراعية عُرضة للتراجع في الإنتاجية والجودة، ومن بين هذه المحاصيل يبرز الزيتون شجرة السلام والموروث الثقافي العريق، التي تواجه تحديات غير مسبوقة تهدد إنتاجها واستدامتها، ‏فشجرة الزيتون، التي تُعرف بـ«الذهب الأخضر» و«الذهب السائل»، ليست مجرد شجرة زراعية، بل هي جزء أصيل من حضارات بلدان البحر الأبيض المتوسط ورمز للسلام والعطاء، وتتميز بفوائد صحية عديدة، فهي مصدر للدهون الصحية ومضادات الأكسدة التي تحمي القلب وتقي من الأمراض المزمنة، كما تحتل مكانة خاصة في المطبخ العربي، حيث يُستخدم زيت الزيتون وثمارها لإضافة نكهة غنية إلى الأطباق التقليدية.

‏ففي أوروبا خصوصاً في إسبانيا وإيطاليا واليونان تُعد زراعة الزيتون حجر الزاوية للاقتصاد الزراعي، كما أن دولاً عربية مثل تونس، سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، تعتمد على إنتاجه كعائد اقتصادي هام، ‏ورغم هذه الأهمية فإن التغيرات المناخية بدأت بتقويض هذا القطاع الحيوي، وشهدت السنوات الأخيرة تراجع الإنتاج وارتفاع أسعاره، حيث رُصدت في إسبانيا واليونان حوادث سرقة زجاجات زيت الزيتون، مما دفع أصحاب المحلات لإغلاقها بالسلاسل نتيجة لارتفاع قيمتها المادية.

‏تعد رمزاً للصمود في وجه الظروف الصعبة كما هو حالها في فلسطين، حيث تعكس شجرة الزيتون ارتباط الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم، فالحرارة المرتفعة والجفاف والأمطار الشديدة والفيضانات جميعها عوامل تضعف الأشجار وتؤثر على إنتاج الزيتون وجودته، كما أن ذبابة الزيتون، وهي من الآفات الزراعية المدمرة، والمخلفات البيئية، باتت تُشكل خطراً إضافياً على المحصول، مما يزيد التحديات التي يواجهها المزارعون والمنتجون، خصوصاً أن هناك آلاف الأسر التي تعتمد على زراعة الزيتون كمصدر دخل.

‏‏واستجابة لهذه التحديات أطلقت المبادرات، وعُقدت مؤتمرات ناقشت سُبل التكيف مع التغيرات المناخية، فقد اقترح الخبراء تحسين تقنيات الري، واستخدام أصناف جديدة من الزيتون، وزراعة أشجار الزيتون في مناطق غير تقليدية، والابتكار التكنولوجي في تحسين جودة الإنتاج، ومكافحة الآفات، ومعالجة ملوثات ومخلفات صناعة زيت الزيتون على البيئة وأثرها على المحاصيل الزراعية، ومع استمرار الأزمات يتساءل الكثيرون عما إذا كان هذا المنتج الصحي العلاجي سينجو مع حلول عام 2025، أم أن البدائل الأقل تكلفة ستتغلب عليه؟

وجدير بالذكر أن كلاً من السعودية ومصر وتركيا وجنوب إفريقيا بدأت بإنتاج الزيتون منذ سنوات، وأحرزت تقدماً ملحوظاً، ومن ناحية أخرى تُعد الكويت من الدول الداعمة لهذا القطاع، حيث تستورد زيت الزيتون عالي الجودة وتعمل على تعزيز الوعي بأهميته الصحية والغذائية، مما يعكس دورها في دعم هذا المنتج عالمياً، ويلفت الانتباه نجاحها في تنويع محاصيلها الزراعية، متجاوزة تحديات بيئتها الصحراوية، وهذا الإنجاز يثير تساؤلاً ملحاً: لماذا لا تمتد هذه النجاحات إلى زراعة الزيتون، الشجرة التي تحمل رمزية عميقة وأهمية اقتصادية وصحية؟ ربما تحمل التجارب الزراعية الحديثة في الكويت بارقة أمل لاحتضان هذه الشجرة العريقة المباركة، بما يعزز الاكتفاء الذاتي ويُرسخ حضور الزيتون كجزء من هوية المنطقة، فالحفاظ على هذا القطاع مسؤولية جماعية لضمان استدامة هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة، لا سيما أن زيت الزيتون يمثل إرثاً ثقافياً واقتصادياً وصحياً، وجزءاً لا يتجزأ من هوية الشعوب، ويجب أن تكون حمايته أولوية للجميع.

back to top