محمد العدساني والتثمين وهدر الإمكانية

نشر في 21-12-2022
آخر تحديث 20-12-2022 | 20:48
 أ.د. غانم النجار

كانت محاولات تقنين التثمين التي بدأها محمد العدساني، رئيس المجلس البلدي من 1964 حتى 1966، حين تم حله، هي المحاولات الأولى لإيقاف الهدر الفاضح العلني لسياسة استفادت منها قلة قليلة، وممارسات مستمرة، وإن بمسميات مختلفة.

وهدر الإمكانية هو حالة ذهنية أكثر من كونه أشخاصاً، ومن مفاهيمه إزاحة المصلحين وإبعادهم، واتهامهم بالإضرار بمصلحة الوطن، وهو شعار لا «مقضب» له. ذهنية تستسهل تعطيل المشاريع وتخريبها أو إبقاءها نصف «مستوية»، وأحيانا نيئة. وعندما تتأصل تلك الذهنية في الحكومة، فإنها تتحول بالتدريج لأسلوب حكم، ومنهج إدارة، أو لا إدارة، لا فرق. وفي المقابل، فإن العديد من نواب مجلس الأمة يتحملون مسؤولية كبيرة في تعزيز تلك الذهنية لممارستهم ذات السلوكيات، وربما الاستفادة والانتفاع الشخصي، والتغطية على ذلك بإضاعة الوقت في قضايا جانبية.

يتضح أن ملف التثمين المثخن بجراحات الوطن ليس إلا نموذجاً لممارسات راسخة، وكان حل المجلس البلدي، سنة 1966، إعلاناً صريحاً عنه، وكان لافتاً أنه بدأ بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم، واستقالة 8 نواب إصلاحيين، احتجاجاً على قوانين غير دستورية. كما تجدر الإشارة إلى أن تزوير الانتخابات في يناير 1967 تم بعد أقل من سنة من حل «البلدي». واللافت أن محمد العدساني، رغم فوزه في انتخابات 1967، استقال، احتجاجاً على التزوير.

وما إن تم حل مجلس الأمة في سنة 1976، وخلال أقل من 6 سنوات، حتى تم إنفاق قرابة مليارين و400 مليون دينار، على التثمين فقط، وعادت الميزانية للتوازن مع عودة المجلس سنة 1981. ومع أن ذلك المجلس كان «ملعوب» به بسبب تغيير الدوائر، من 10 إلى 25 دائرة.

الواقع يقول إنه كلما غاب مجلس الأمة، رغم انتقاداتنا له، زاد الإنفاق المحموم، بلا رقابة، لا في موضوع التثمين فحسب، بل وفي بنود أخرى، كالإنفاق العسكري، والإنشاءات. وقد اتضح ذلك في دراسة سابقة لي عن الإنفاق العسكري، حيث اعتمدت الحكومة 10 مليارات دينار لما يسمى ميزانية التعزيز قبل عودة مجلس الأمة في أكتوبر 1992 مباشرة، تجنباً لعرضها على المجلس.

الشاهد أن محمد العدساني حاول بجدية واقتدار، وبطرق مبتكرة، أن يحمي الوطن، من حالة الهدر وتدمير الإمكانية الاقتصادية، فكانت النتيجة حل المجلس البلدي، ومضاعفة الإنفاق على التثمين بدرجة كبيرة. وما زال النموذج مستمراً حتى يومنا هذا. ولم تكن سلسلة المقالات هذه إلا تذكيراً بما فعله الرجل ونسيه الناس الذين يتعاملون مع ما يجري اليوم من هدر وإضاعة للوطن كأنه يحدث للمرة الأولى.

رحم الله محمد يوسف العدساني رحمة واسعة، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان... انتهى.

back to top