عبدالوهاب: المشهد التشكيلي في الكويت يتطور بخطى ثابتة

نشر في 21-12-2022
آخر تحديث 20-12-2022 | 19:21
عماد عبدالوهاب
عماد عبدالوهاب
تركت الإسكندرية أصداءها على أعماله الفنية، فقد انعكست أجواء هذه المدينة الساحلية التي خرّجت مئات المبدعين في مجالات عدّة على لوحاته الفنية، لذا فإن أعمال الفنان التشكيلي المصري د. عماد عبدالوهاب تحمل فلسفة خاصة، وهو مهموم دائما برصد التغيرات الاجتماعية في المجتمعات المختلفة، خصوصا في ظل تنقله بين عدة دول، بينها إيطاليا والكويت التي يقيم فيها راهنا.
وفي حواره مع «الجريدة»، أشاد عبدالوهاب بالتطور الحادث في المشهد التشكيلي الكويتي، كما تطرق إلى أعماله الفنية التي ترصد ازدواجية المجتمع، وغرق البعض في أتون السحر والحسد والجن، باعتبارها أحد أوجه الموروث الشعبي، وترجم ذلك إلى لوحات خصص لها معارض حققت نجاحا كبيرا... وفيما يلي نص الحوار:
• وُلدت ونشأت بمدينة الإسكندرية التي خرج منها مئات المبدعين، فكيف انعكس ذلك على أعمالك الفنية؟

- رغم أن أصولي من منطقة الجمَّالية بالقاهرة، فإنني وُلدت بمدينة الإسكندرية الساحلية في سبعينيات القرن الماضي، بسبب عمل والدي ضابطًا بحريًا بحي اللبَّان، أحد الأحياء القديمة في الإسكندرية، وتحديدًا في تقاطع شارع السبع بنات وشارع إسحاق النديم، الذي يعتبر امتدادًا لشارع فؤاد العريق، أول طريق جرى إنشاؤه في عصر الإسكندر المقدوني، فقد نشأت بجوار «كوم الناضورة» وعلى مقربة من «كوم الدكة» و»الحقانية» وجامع رمضان شحاتة، وهي أسماء لأماكن لها أثر كبير في حياتي، حيث إنني التحقت بمدرسة سانت كاترين، وشكل كنيسة سانت كاترين لا يزال مطبوعًا في رأسي بأرضيتها ذات المربعات الكبيرة باللونين الأبيض والأسود، ولا أنسى المسافة التي كنت أقطعها جريًا على أرضية البازلت الكبير من باب الكنيسة الداخلي إلى بابها الخارجي.


ورغم أنني لم أعِش في الإسكندرية حين كانت مدينة كوزموبوليتانية، فإن تأثيرها ظل موجودًا من خلال زيارتي لمتاحف المدينة منذ الطفولة، فأول متحف قمت بزيارته في حياتي كان المتحف اليوناني الروماني (المسرح الروماني) وحديقة أنطونيادس، وفي مرحلة التحاقي بكلية الفنون الجميلة زرت وتعرّفت إلى متحف كفافيس شاعر الإسكندرية اليوناني، وكان دائمًا ما يُقال إننا نمشي فوق الإسكندرية القديمة، خاصة شارع النبي دانيال، وبالفعل بعد فترة ليست ببعيدة تم اكتشاف الآثار الغارقة التي تعد من أهم الآثار المصرية - الرومانية، كما تأثرت بشاطئ البحر المتوسط الذي جعل أفق عيني مفتوحًا بامتداد البحر، وجعلني أحسّ باللون، وهو ما امتزج بالذاكرة البصرية لديّ، وساعدني على التعبير عن تفاصيل حياتية شديدة الخصوصية أسهمت في تكوين ونحت شخصيتي الفنية.

المتغيرات الاجتماعية

• ما هي منطلقاتك الفنية والفكرية عمومًا، وإلى أي حد تترك أصداءً على لوحاتك؟

- تنبع منطلقاتي الفنية والفكرية من خلال رصد المتغيرات الاجتماعية، وما أعيشه داخل المجتمعات المختلفة من متغيرات فكرية كفرد داخل هذا النسق المجتمعي، وتأثير كل ذلك عليّ بما فيه من متناقضات إيجابية أو سلبية، فأعبِّر عنها كفنانٍ من خلال أطروحات بصرية، وصولًا إلى مفهوم بواسطة الرموز البصرية، التي تتشكل من خلال رؤيتي لبعض المفاهيم التي تحدث داخل المجتمع للوصول إلى المفاهيم التي شكلت تجربتي الإبداعية، والتي تعمل على إبراز التناقض بين الشكل الخارجي والداخل الذي ليس له علاقة لا بالمنظومة العالمية الجديدة ولا بمنظومة القيم الموروثة، فتلك القيم ما هي إلا قواعد تضعها المجتمعات في الظاهر، ثم تنتهكها في السر، فتعيش حالة من الازدواجية المغلفة بثوب الوهم الذي يحمل رداء التدين والأخلاق والقيم والأعراف الأصلية، لتكشف كمّ التناقض الحاصل في داخلها.

الفن وتشكيل الوعي

• تناقش معارضك قضايا مهمة، مثل ازدواجية المجتمع والموروث الشعبي للسحر.. إلخ، إلى أي مدى يمكن للفن التشكيلي أن يكون أداة لتشكيل الوعي؟



- تدور لوحات معرض «زعفران» (2016) حول الموروث الشعبي للسحر والحسد والجن، وهو الموروث الذي لا يزال موجودًا بين شرائح المجتمع المختلفة، وله تأثيراته السلبية.


نعم، السحر والجان والحسد أمور مذكورة في الكتب السماوية، لكنني أتطرّق إلى كيفية التعامل معها باعتبارها سلوكيات خاطئة يتبعها الكثير من شرائح المجتمع، فالتجربة الإبداعية هنا قائمة على استلهام ذلك العالم الغرائبي الغامض، الذي يلعب فيه السحر والاعتقاد في التأثير الطاغي للشياطين وكيانات الشرّ الخفية، دوراً لا يُستهان به في تشكيل وعي هذه الشرائح الاجتماعية، وفي تقديم نَسَقٍ من التفسيرات المختلفة لظواهر الكون، مُحاوِلةً الإجابة عن العديد من الأسئلة القدَرية والوجودية الحائرة وطرح بعض التبريرات، التي من شأنها الإيحاء بِنَفي المسؤولية عَمَّن يواجهون تَبِعات شتى المآسي الجسمانية.

• كونك مقيما حاليًا في الكويت، كيف ترى مستوى الحركة التشكيلية هناك؟

- المشهد الفني في الكويت يتطوّر بخطوات ثابتة، معتمدًا في المقام الأول على التراث الشعبي الإنساني، الذي يختلف من فنان لآخر في تناوله، والخروج من خلاله بمفردات بصرية مرتبطة بأصولية المكان، عبر رؤى بصرية مغايرة التشكيل، حيث يعتمد الفنانون على الاحتكاك الثقافي العالمي، من خلال تنظيم الملتقيات الفنية الدولية، والمشاركة أيضًا في المحافل الدولية التي تصقل رؤى الفنانين، خصوصًا الشباب منهم، بجانب تنظيم ورش فنية وندوات ثقافية مختلفة.

جائزة روما الكبرى

• حدثنا عن فترة وجودك في إيطاليا أثناء دراستك بأكاديمية الفنون بروما، وماذا استفدت من هذه المرحلة على المستوى الفني؟

- حصلت على جائزة الدولة للإبداع الفني (جائزة روما الكبرى)، وقد كان لها الأثر الأكبر في التحوُّل الفني لديّ، حيث التحقت بأكاديمية الفنون الجميلة في روما لدراسة الفن بجانب دراستي للترميم بالمعهد الدولي للترميم هناك، ومن خلال المعهد رُشّحتُ للقيام بترميم أعمال التصوير بمتاحف الفاتيكان ضمن فريق عمل إيطالي بلوحة سقف كنيسة سيستين، للفنان الإيطالي مايكل أنجلو (توصف بأنها إحدى قمم عصر النهضة)، ويمكن القول إن تلك الفترة شكلَّت تحوُّلًا حقيقيًا في تجربتي الفنية، فبعد دراسة الرسم للموديل العاري حدث نوع من الاختزال في رسم الجسد، ومن خلال التعرُّض لثقافة مغايرة مكمِّلة في بعض التفاصيل الصغيرة، ساهمت في نقلة نوعية في التفكير، وبدأ البحث عن الذات والهُوية بشكل أعمق.




• ما المعرض الجديد الذي تستعد له حاليًا، وما فكرته العامة؟

- معرضي القادم سيكون في الموسم الفني المقبل (2023)، وسأتناول فيه الفكر الميثولوجي، وفكرة الصراع النفسي للتواصل الاجتماعي الزائف تحت شعارات واهية غير حقيقية لتأدية واجبٍ فقط.

back to top