وجهة نظر: الكويت بلا جامعات ومستشفيات غير ربحية: إلى متى؟
تُعد المؤسسات الخاصة غير الربحية ركيزة أساسية للتنمية المجتمعية والاقتصادية، لما لها من دور محوري في تلبية الاحتياجات المجتمعية وتقديم حلول مستدامة. ولفهم أهمية هذه المؤسسات ومزاياها، يجب أولاً التفريق بين المؤسسات الخاصة الربحية (أو التجارية) والخاصة غير الربحية. تُركز المؤسسات التجارية على تحقيق الأرباح لمصلحة مالكيها أو مساهميها، مما يجعل الربحية الهدف الأساسي لنشاطاتها. ورغم تقديمها خدمات للمجتمع، يبقى الدافع التجاري محورياً، وقد يؤثر ذلك أحياناً على جودة الخدمات المقدمة أو توافرها. في المقابل، تعمل المؤسسات غير الربحية على خدمة المجتمع بشكل مباشر، حيث يُعاد استثمار أي فائض مالي في تحسين وتطوير الخدمات، مما يُمكّنها من سد الفجوات المجتمعية وتعزيز التنمية المستدامة.
في قطاع التعليم، تبرز الجامعات غير الربحية كأحد النماذج الرائدة التي تقدم تعليماً متميزاً بمعايير عالمية، ففي الولايات المتحدة تستحوذ الجامعات غير الربحية على نحو 60-70% من قائمة أفضل 100 جامعة، بينما تمثل الجامعات العامة حوالي 30-40 مؤسسة، وتغيب الجامعات التجارية تماماً عن هذه التصنيفات. يعكس هذا التفوق الدور الاستراتيجي للمؤسسات غير الربحية في دعم الابتكار وتعزيز جودة التعليم. ومن بين الأمثلة البارزة على الجامعات غير الربحية، تعد جامعتا هارفارد وستانفورد من المؤسسات الرائدة التي تتميز بتركيزها على التعليم والبحث، وتستمد تمويلها من التبرعات والاستثمارات طويلة الأجل. وفي أوروبا، تُظهر البيانات نمطاً مشابهاً، حيث تُشكّل المؤسسات التعليمية غير الربحية حوالي 81.6% من مؤسسات التعليم العالي، مثل جامعتي أكسفورد وهايدلبرغ.
في قطاع الرعاية الصحية، يُعدّ القطاع غير الربحي نموذجاً للخدمات المتقدمة والموجهة للمجتمع، ففي الولايات المتحدة تُصنّف 85% من المستشفيات الأفضل ضمن قائمة أفضل 100 مستشفى كمؤسسات غير ربحية. ومن الأمثلة البارزة مايو كلينك وكليفلاند كلينك، حيث تُقدمان خدمات طبية عالية الجودة مع تركيزهما على البحث والابتكار لتحسين الرعاية الصحية. وفي أوروبا، تُهيمن المستشفيات العامة في العديد من الدول، مع مساهمات ملحوظة للمستشفيات غير الربحية، مثل مستشفى هايدلبرغ الجامعي في ألمانيا ومستشفيات الجمعية الخيرية في فرنسا، التي تركز على تحسين تجربة المرضى وتقديم خدمات طبية متقدمة.
تُظهر الدراسات أن الطلاب في الجامعات غير الربحية يحصلون على تجربة تعليمية وأكاديمية أفضل مقارنةً بزملائهم في الجامعات التجارية، وتشمل هذه المزايا جودة أعلى للبرامج الدراسية، ودعماً أكاديمياً وشخصياً أفضل، واستثمارات أكبر في البنية التحتية والمرافق. ووفقاً لدراسة أجراها المركز الوطني للإحصاءات التعليمية (National Center for Education Statistics)، بلغ معدل رضا الطلاب في الجامعات غير الربحية حوالي 85%، مقارنة بـ65% فقط في الجامعات التجارية، ويعود هذا التباين إلى تركيز الجامعات غير الربحية على تحقيق رسالتها الأكاديمية وخدمة المجتمع بدلاً من تحقيق الأرباح.
ورغم الأهمية البالغة للمؤسسات غير الربحية ودورها المحوري في التنمية المستدامة، يثير غيابها في الكويت قلقاً وعجباً كبيرين، حيث يسيطر القطاع التجاري (الخاص الربحي) على مشهد التعليم والرعاية الصحية بشكل شبه كامل. هذا الوضع يعكس افتقاراً لبدائل تركز على خدمة المجتمع بشكل مباشر دون الدافع لتحقيق الأرباح. إن سيطرة المؤسسات التجارية تعني أن الربحية غالباً ما تكون على حساب جودة الخدمات أو إتاحتها لشرائح واسعة من المجتمع. وفي حين تزدهر المؤسسات غير الربحية في دول أخرى وتحقق نتائج مبهرة في التعليم والرعاية الصحية، يبقى هذا النموذج غائباً عن الكويت، ما يحرم المجتمع من فوائد مستدامة وابتكارات تُركز على تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين. إن الحاجة إلى تطوير مؤسسات غير ربحية في الكويت أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة.
يتطلب الأمر رؤية استراتيجية لإنشاء ودعم مؤسسات غير ربحية قادرة على معالجة التحديات المجتمعية والاقتصادية في الكويت، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التشجيع على إنشاء مؤسسات غير ربحية، وتقديم حوافز مثل دعم التمويل من خلال التبرعات والوقف. إضافة إلى ذلك، يمكن إطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص لتوجيه الموارد نحو تأسيس مستشفيات وجامعات غير ربحية تهدف إلى خدمة المجتمع بشكل فعّال.
من الضروري أيضاً تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية المؤسسات غير الربحية، من خلال حملات إعلامية وبرامج تثقيفية، ولتشجيع الأفراد والشركات على دعم هذا النوع من المؤسسات. إن غياب المؤسسات غير الربحية في الكويت يمثل فرصة لتبني هذا النموذج المبتكر، الذي يمكن أن يُحدث تحولاً إيجابياً مستداماً في التعليم والرعاية الصحية.