التوقع والواقع

نشر في 01-01-2025
آخر تحديث 31-12-2024 | 19:19
يجب على الإنسان ألا يعتمد اعتماداً كلياً على توقعاته، فالظروف والقيم، والمتغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والتكنولوجية المتسارعة من حولنا تحدّ من دقة توقعاتنا في سلوك وتصرفات من نتعامل معهم.
 د. محمد الدويهيس

يمر الإنسان خلال مراحل حياته بالعديد من التجارب والممارسات، حيث تتخللها توقعات تتغير حسب التعامل مع الأشخاص والظروف الزمانية والمكانية، وربما تكون هذه التوقعات وما ينتج عنها من ردود أفعال نقط تحول (Turning points) خلال مراحل حياة الإنسان، فتؤدي إلى سلوكه ودخوله في مسارات لم تكن تخطر على البال أو بالحسبان!

فعلى سبيل المثال عندما يجتهد الطالب أثناء المراحل الأولى من حياته الدراسية ويتوقع التفوق بين قرنائه وزملائه ينصدم بواقع تعليمي لا يقوم التقييم فيه على أسس الكفاءة والموهبة والإبداع والنزاهة والشفافية، بقدر تركيزه على الحفظ والتلقين ومراعاة الخواطر ومراكز النفوذ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية!

وفي بداية مرحلة العمل يتوقع الموظف أن يكون صاحب العمل والمسؤول عادلاً ونزيهاً ومنصفاً، وينصدم بواقع بعيد عن توقعاته، واقع لا يقوم في معظمه على أسس الجدارة والكفاءة والشفافية والمصداقية! بل واقع يقوم في معظمه على المحسوبية والعنصرية بكل أنواعها وأشكالها الطائفية والقبلية والمناطقية والتكتلات السياسية!

وعلى المستوى الثقافي والعلمي والأكاديمي ينصدم المرء بواقع بعيد كل البعد عن توقعاته التي تقدر العلم والمعرفة والثقافة وتجل العلماء والمثقفين، وعلى المستوى الاجتماعي تتلاشى وتتطاير أمام عين المرء توقعاته المقدرة والمجلة لقيادات المجتمع وتضمحل توقعاته وتصوراته البريئة عن النشطاء في الدفاع عن حقوق الإنسان!

وعلى مستوى تماسك الأسرة وتضامن أفرادها في السراء والضراء، ينبهر المرء من تصدع الأسرة وانهيارها عند أقل الهزات والأزمات، ناهيك عن انهيار الأخلاق وقيم العطف والمودة والاحترام والتقدير بين أفراد الأسرة الواحدة عندما يتعلق الأمر بالأمور المالية، وخصوصا في حالة الميراث، حيث يتكشف للمرء تصرفات وممارسات لم تكن تخطر على البال من بعض من كان يتوقع فيهم الطيبة والعدل والإنصاف والحكمة والوقار!

وعلى مستوى الصداقة والزمالة الممتدة لسنوات طويلة عندما تنقلب حياة الإنسان رأساً على عقب وتسوء حياته الصحية وتسوء ظروفه المالية والاقتصادية والاجتماعية يتذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله:

سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها

صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا

نعم الواقع يختلف في أحيان كثيرة عن توقعات الإنسان العادي لذا يجب على المرء ألا يركن لتوقعاته، فالظروف والمتغيرات كفيلة بتغيير توقعات الإنسان وظنونه عما كان يتوقعه حتى من أقرب الناس له!

هذه ليست نظرة تشاؤمية فأنا بطبعي متفائلٌ ولكن هذا ما علمتني الحياة وما شهدته من أفعال وممارسات مررت بها وشاهدتها بأم عيني من خلال حياتي الدراسية والأكاديمية والوظيفية وعلاقاتي الاجتماعية والسياسية.

إنه واقع ينطبق عليه قول المتنبي:

ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدْرِكُهُ

تَجرِي الرّياحُ بِما لا تَشْتَهِي السُّفُنُ

وفي الختام يجب على الإنسان ألا يعتمد اعتماداً كلياً على توقعاته، فالظروف والقيم والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية المتسارعة من حولنا تحدّ من دقة توقعاتنا في سلوك وتصرفات من نتعامل معهم.

ودمتم سالمين.

back to top