رويشـــد الكـويـت... الفنــان الـمهـــذب
نتابع هذه الأيام العديد من الأخبار المتواردة عن تعرُّض «نجم الأغنية الخليجية وسفيرها»، و«سلطان الرومانسية» الفنان المُهذب والجميل عبدالله الرويشد لوعكةٍ صحيةٍ سافر على إثرها إلى أوروبا لتلقي العلاج، وعاد بعد تعافيه إلى بلاده سالماً معافى، هذا الفنان يأسـرك بأخلاقه الرائعة وتواضعه الجمّ ومحبته الطاغية، وهذا ليس ببعيدٍ عن أبناء الكويت الشقيقة الذين جمعتني بهم عدة لقاءاتٍ عند زياراتهم المتكررة لوطني «اليمن»، وعلى رأسهم الفنان أبوخالد– حفظه الله وشفاه – ولعل من أروع حظوظي في هذه الدنيا وأجلها أنني كنت ضمن فريق استقباله عند زيارته لبلادنا عام 2004م مُشاركاً ضمن فعاليات الأيام الثقافية الكويتية المُقامة احتفاءً بصنعاء عاصمة الثقافة العربية، وكان لي شـرف استقباله ومرافقته، وما زلت أتذكر موعد وصوله إلى مطار صنعاء الدولي يوم الأربعاء الموافق 22 سبتمبر من العام ذاته، حينها قال لي مباشـرةً عند ترحيبي بزيارته لوطنه الثاني: «أنا في بلدي اليمن ولست ضيفاً عليه»، ولعله مازحنا جميعاً– أنا والوفد المستقبل– بقوله: «أنا أعرف اليمن أكثر منكم!! أعرف صنعاء وحواريها، وعدن وحافاتها، والمكلا وسيئون... وأعرف اليمنيين من وجوههم وسحناتهم...»، بهذه البساطة وهذه العفوية الكبيرة التي يتحلَّى بها رويشد الكويت، أو بالأحرى رويشد العرب، جعلته في نظر كل العرب واليمنيين فناناً كبيراً بتواضعه وأخلاقه، وعقليته الجميلة والخلاَّقة، وإبداعاته الأجمل وصوته الأفضل، فهو بحق قامة فنية سامقة، وشخصية مثقفة ومحترمة، بل يعدُّ نموذجاً حياً لأخلاق شعب الكويت ورقيهم.
جعلني هذا الموقف أتذكر أنني قرأت مقابلةً له في إحدى المجلات العربية القديمة، عن بدايات انطلاقته الغنائية، حيث عنونت تلك المقابلة بـ(عزيزي القارئ.. تذكروا هذا الاسم جيداً!!)، نعم فها هو أمامي، وبين ناظريَّ، ضيفاً عزيزاً وكبيراً على بلادي، نعم إنه هو ذاك الفنان المتواضع، ودائم الابتسامة، والشيق في أحاديثه عن اليمن وأهله، وعن أساتذة الفن وألوان الفنون فيه، وعن أشياء كثيرةٍ قد لا نعرفها نحن اليمنيين، أبناء البلد أنفسهم!!
كان اليوم التالي الخميس 23 سبتمبر 2004م هو موعد حفلته، فقد أحيا حفلاً فنياً ساهراً على خشبة مسـرح أبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري بالمركز الثقافي في صنعاء، في ذلك الحفل الذي أمتع جمهوره ومحبيه من اليمن بالعديد من أغانيه الرائعة والجميلة، والتي تعتبر من أفضل الأغاني الكويتية والخليجية، كما أن له باعا كبيرا في الغناء في العديد من الألوان الفنية اليمنية وعلى رأسها اللون الحضـرمي، وذلك عائدٌ إلى صداقته للفنان الكبير الراحل الدكتور أبوبكر سالم بلفقيه، ولعلني أتذكر مقولةً له في إحدى المقابلات التلفزيونية: «تربينا على الغناء اليمني الصنعاني والحضـرمي والعدني، غنّينا من أعمال الفنانين الكبار أمثال: الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه، والأستاذ محمد مرشد ناجي، والشاعر الغنائي حسين أبوبكر المحضار... كما أنني أصف علاقتي بالأغنية اليمنية بعلاقة الفنان بالمنبع الأم، أما اليمن فهذا البلد المعطاء يشكل بالنسبة لي شيئاً كبيراً، لأن نصف قلبي من اليمن، ومنذ زمنٍ وأنا أنوي الاحتفال به لا أن يحتفل بي، أنا سعيدٌ بهذا الوطن وسعيدٌ بحكومته وشعبه».
وفي تلك الأمسية وأثناء حفل تكريمه بتذكار صنعاء عاصمة للثقافة العربية قال: «أعتبر أن زيارتي هذه لليمن قد تأخرت كثيراً، لكنني اتفقت مع الفنان أبوبكر سالم بلفقيه– الذي أعتبره مثل أبي– أن نأتي معاً في زيارةٍ لاحقة، ونحيي حفلاتٍ فنية في صنعاء وعدن وحضـرموت إن شاء الله».
والفنان الرويشد زار وطنه الثاني (اليمن) أكثر من مرة، فالمرة الأولى كانت في عام 1986م، ومن ثم زيارته في عام الثقافة العربية 2004م، وأخيراً في عام 2018م عندما زار المكلا وأقام فيها حفلةً غنائيةً رائعة، وكل ذلك بسبب علاقةٍ خاصةٍ تربطه باليمن وشعبه، والتي تعود إلى أسبابٍ عدة، منها: تقديمه للعديد من الأغاني التي تحمل طابعاً يمنياً، مما زاد ارتباطه بالجمهور اليمني، وتـمتعه بشعبيةٍ واسعة في اليمن، حيث يعتبرونه أحد أبرز الفنانين العرب، بل أيقونة الغناء الخليجي، كما ساهمت زياراته المتعددة في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين (الكويت واليمن)، كما أنه يتميز بصوتٍ قوي وأداءٍ عاطفيٍّ يُلامس شغاف القلوب، ويستطيع إيصال المشاعر بصدق، ولهذا فكل اليمن واليمنيين يدعون لفناننا الكبير سلطان الرومانسية عبدالله الرويشد بالعافية والسلامة الدائمة، وحفظ الله صاحب الابتسامة الساحرة، والروح الرقراقة، والصوت الكويتي الأجمل.
* كاتب وباحث من اليمن