الإبحار عبر العواصف الاقتصادية الكاملة

نشر في 20-12-2022
آخر تحديث 19-12-2022 | 19:42
 بروجيكت سنديكيت في أثناء افتتاح قمة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين في 12 أكتوبر 2022، حذرت من أن العالَم يواجه مخاطر متنامية ومتزايدة التعقيد بسبب التضخم المرتفع، والنمو الضعيف، وانعدام أمن الطاقة والغذاء، وتغير المناخ، والتفتت الجيوسياسي، وتصاعد أزمات الديون، وستتحمل البلدان المنخفضة الدخل وطأة العبء الأكبر عن كل هذا، لكن الاقتصادات المتوسطة الدخل وحتى المتقدمة ستواجه احتمال الانزلاق إلى قدر كبير من الألم والمعاناة.

من الواضح أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو عاصفة كاملة، فقد خلفت جائحة كورونا ندوباً على اقتصاداتنا جميعاً، وعملت على التعجيل بانخفاض الطلب الكلي والعرض الكلي، فهذه الأعراض تشبه تلك التي تصاحب «فخ السيولة»، حيث يكون التمويل من قِبَل أطراف ثالثة في القطاع المالي مرتفعاً في حين يظل الاقتصاد الحقيقي راكداً، ولحل هذه المشكلة، اقترح رجل الاقتصاد العظيم من القرن العشرين جون ماينارد كينز انتهاج سياسة مالية معاكسة للدورة الاقتصادية، فإذا كان الاقتصاد يعمل على ما يرام، فيجب كبح عجز الموازنة السنوية، أما إذا كان الاقتصاد في تباطؤ، فيجب السماح للعجز بالنمو.

بموجب قانون صدر عام 2003، قامت إندونيسيا بضبط سياستها المالية من خلال الحد من عجز الموازنة السنوية بحيث لا يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وإجمالي الدين العام بما لا يتجاوز 60% (باستخدام ذات المعايير المعمول بها بموجب ميثاق الاستقرار والنمو في الاتحاد الأوروبي)، ولكن عندما تسببت الجائحة في انكماش الاقتصاد، كان من المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة فوق 3% من الناتج المحلي الإجمالي لخلق الحيز الكافي للتحفيز، ولتمكين هذه المرونة، تنازلت الحكومة عن سقف عجز الموازنة.

في غضون أسابيع من إعلان منظمة الصحة العالمية في الحادي عشر من مارس 2020 عن الجائحة، عملت الحكومة الإندونيسية على تعديل قانون الميزانية بحيث يسمح بتوسيع العجز، ثم تنامى العجز السنوي في إندونيسيا ليصل إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، قبل أن ينخفض إلى 4.6% في عام 2021 مع تعافي الاقتصاد، وفي كتاب «الحفاظ على إندونيسيا آمنة من جائحة كوفيد 19»، الذي نشرته وزارة المالية الإندونيسية في عام 2022، نوضح بالتفصيل كيف تمكنت إندونيسيا من أن تصبح واحدة من الدول القليلة على مستوى العالَم التي حافظت على أدائها الاقتصادي حتى أثناء صدمة الطلب الكلي العالمية.

بتوسيع العجز، حافظت الحكومة الإندونيسية على النمو من الانكماش بأكثر من 2.1% في عام 2020، ونجحت في خلق الظروف المناسبة لنمو بلغ 3.7% في عام 2021، مع بقاء تضخم أسعار المستهلك عند مستوى منخفض بلغ 1.7% في عام 2020، ونحو 1.9% في عام 2021، علاوة على ذلك، في عام 2021، ازداد الناتج الاقتصادي بنحو 1.6%، متجاوزاً بذلك مستواه في عام 2019، وفي عامنا هذا، من المتوقع أن يكون عجز الموازنة نحو 4.5%، ولكن بدءاً من عام 2023، يجب أن يعود العجز إلى أقل من 3%، لو لم تندلع أزمة أخرى.

بعد العاصفة الاقتصادية الأولية التي أثارتها جائحة كوفيد 19، أصبح الاقتصاد العالمي الآن في خضم عاصفة ثانية، فقد تسببت القيود المفروضة على التنقل وغير ذلك من تدابير الصحة العامة أثناء أوج الجائحة في تعطيل الخدمات، وتعقيد سلاسل التوريد، وتقليص الإنتاج في قطاعات أساسية مثل أشباه الموصلات (التي تستخدم في العديد من المنتجات المصنعة الأخرى، بما في ذلك السيارات الجديدة). تناقص إجمالي القيمة المضافة في التصنيع العالمي بنحو 4% خلال الفترة من 2019 إلى 2020، كما انخفض عدد السفن الأم التي تشحن البضائع بين الموانئ الكبرى.

على النقيض من العاصفة الأولى، جلبت العاصفة الثانية نمواً أضعف وتضخماً أعلى، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل العالميين، والتي سجلت المزيد من الارتفاع في عام 2022 بسبب ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية والمواد الغذائية، وارتفع سعر النفط الخام الإندونيسي فوق مستوى 100 دولار للبرميل واستقر قريباً من توقعات الإجماع عند مستوى 105 دولارات للبرميل، في المتوسط، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، انزلق عشرات الملايين من البشر إلى حالة انعدام الأمن الغذائي، ومن المؤسف أن أسعار الغذاء، بصرف النظر عن الأحداث الجارية في المجال الجيوسياسي، من المرجح أن تظل مرتفعة بسبب الصدمات المناخية المستمرة.



فرضت ضغوط الغذاء والطاقة هذه عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال يناضل للشفاء من الجراح التي خلفتها الجائحة على سلاسل القيمة العالمية، ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد الإندونيسي قادراً على الصمود نسبيا، لعدة أسباب:

أولاً: تميل ارتباطات إندونيسيا بسلاسل القيمة العالمية نحو منتجات الأطعمة والمشروبات أكثر من ميلها نحو السيارات والإلكترونيات. ثانياً: تولد إندونيسيا حصة وفيرة من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.

ثالثاً: تتمتع إندونيسيا بميزة نسبية في المواد الخام أكثر من السلع الوسيطة، وهذا يعني أنها أقل عُرضة لنقص أشباه الموصلات، كما يعني أنها استفادت من الدخل غير المتوقع وفائض الحساب الجاري عندما ارتفعت أسعار المنتجات الأولية (بما في ذلك زيت النخيل، والفحم، والمطاط، والنيكل) في عام 2021، ولكن برغم ذلك، بالنظر إلى المستقبل، لا تزال إندونيسيا تسعى إلى تعزيز التصنيع المحلي من خلال إنتاج المزيد من السلع الوسيطة، لا سيما لسلاسل القيمة العالمية الرئيسية مثل السيارات والإلكترونيات.

في عام 2022، التقت صدمة الجائحة التي أثرت على الطلب الكلي بصدمات جديدة مرتبطة بالمعروض من الغذاء والطاقة نتيجة للحرب الدائرة في أوكرانيا، مما أدى إلى توقعات بحدوث ركود تضخمي عالمي في عام 2023، لكن اقتصاد إندونيسيا لا يزال يتحرك في اتجاه إيجابي، في ظل تحسن كبير في كل من الطلب الكلي، قياسا بمؤشر ثقة المستهلك، والمعروض الكلي قياسا بمؤشر مديري المشتريات.

سمح ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك لإندونيسيا بالحفاظ على النمو القوي في الربع الثاني من عام 2022، عندما تجاوز نمو استهلاك الأسر على أساس سنوي النمو الاقتصادي الإجمالي للمرة الأولى منذ اندلعت الجائحة، ومع استمرار مؤشر ثقة المستهلك في الارتفاع من 123.2 في يوليو إلى 124.7 في أغسطس، وزيادة مؤشر مديري المشتريات في الربع الثالث من عام 2022 من 51.3 في يوليو إلى 53.7 في سبتمبر، استمر تحسن أداء إندونيسيا الاقتصادي مع تقدم العام.

على خلفية الاقتصاد العالمي المُعتِم الآفاق عل نحو متزايد، تشكل إندونيسيا وقِلة من بلدان أخرى حالة استثنائية، ويجب أن تستمر ذات المزايا التي ساعدت في وقايتها من العواصف في السنوات القليلة الأخيرة في أداء ذات الوظيفة مرة أخرى في عام 2023.

* سري مولياني إندراواتي

* وزيرة مالية جمهورية إندونيسيا.

غداً مقال الكاتب هيبوليت فوفاك

back to top