الشرع يقدم تطمينات داخلية وخارجية لواشنطن
الحكومة السورية المؤقتة تعيّن وزير خارجية... وتشن حملة ملاحقة لعناصر النظام في الساحل
غداة أول لقاء رسمي بين قائد الإدارة السورية الجديدة، زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام الإسلامي، أحمد الشرع، الملقب بـ «أبومحمد الجولاني»، ووفد دبلوماسي أميركي، كشفت السلطات الجديدة في دمشق أن مناقشات، أمس، تضمنت منح تطمينات شاملة للأميركيين بشأن توجهاتها الداخلية والخارجية.
وفي وقت رفض الوفد الأميركي التقاط أي صور مع الشرع أو اللقاء به في القصر الجمهوري، وألغى مؤتمراً صحافياً بعد اللقاء لـ «أسباب أمنية»، في خطوة تعكس الحذر الأميركي، نقلت «إدارة العمليات العسكرية» أن الشرع أوضح للوفد الدبلوماسي «وقوف الشعب السوري على مسافة واحدة من كل الدول والأطراف في المنطقة دون وضع سورية في حالة استقطاب»، مشيرة إلى أنه اتفق مع الوفد الأميركي على تحقيق تمثيل شامل لكل مكونات الشعب السوري.
وأضافت الإدارة، في بيان عبر حسابها الرسمي على «إكس»، أن «الجانب الأميركي أكد التزامه بدعم الشعب السوري والإدارة السورية الجديدة، والوقوف إلى جانبها في مواجهة الملفات العالقة والتحديات الكبرى كمنطقة شمال شرق سورية، التي تنتشر بها قوات سورية الديموقراطية الكردية (قسد) المدعومة من القوات الأميركية الموجودة في سورية بهدف محاربة «داعش» الذي تطالب دمشق وتركيا بتفكيكه.
وأعرب الوفد الأميركي، بحسب البيان، عن دعمه للخطوات المعلنة من الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز الاستقرار ودفع عجلة النمو الاقتصادي.
وأشار إلى أن البعثة الأميركية قدمت شكرها لجهود الإدارة الجديدة في إطلاق سراح المعتقلين، بما في ذلك المواطن الأميركي ترافيز، إلى جانب المساعي الجادة للبحث عن أوستن تايس، وهو صحافي أميركي مفقود في سورية.
وأشادت البعثة بحسن إدارة المرحلة الراهنة والخطوات البنّاءة المتخذة لتشكيل وزارة الدفاع والجيش السوري الموحد.
وأوضح البيان أن الجانب السوري عبّر عن ترحيبه بالبعثة، مشيراً إلى أن الشعب السوري أسهم في إنقاذ المنطقة من الفوضى والتدخلات الأجنبية بتخلصه من نظام بشار الأسد.
وبين أن الشعب السوري بحاجة إلى دعم كبير لتحقيق الانتعاش والتعافي على كل المستويات، داعياً إلى رفع العقوبات المفروضة عليه.
وشدد الجانب السوري على أهمية إتاحة الفرصة للشعب للاستراحة من ويلات الحرب والنزاعات، وعرض برنامج التطوير والمأسسة الذي سيتم إطلاقه في سورية الجديدة.
وأكد ضرورة المحاسبة وتحقيق العدالة بملاحقة مجرمي الحرب ورموز النظام السابق، مشدداً على دور سورية في تحقيق السلام الإقليمي وبناء شراكات استراتيجية مميزة مع دول المنطقة.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أعلنت، أمس الأول، أنها لن تواصل رصد مكافأة كانت أعلنتها سابقاً بقيمة 10 ملايين دولار للقبض على الجولاني، عقب الاجتماع الذي عقده مع باربرا ليف، أكبر دبلوماسية أميركية بالشرق الأوسط.
وذكرت ليف أن الجولاني تعهّد بنبذ الإرهاب، وقالت إنها تحدثت معه عن «الحاجة الماسة لضمان عدم تمكّن الجماعات الإرهابية من تشكيل تهديد داخل سورية أو خارجها، بما في ذلك ضد الولايات المتحدة وشركائنا في المنطقة».
دعم خليجي
في غضون ذلك، أكد الأمين العام لمجلس التعاون، جاسم البديوي، أن دول المجلس تدعم كل الجهود الرامية لوحدة وسيادة وأمن سورية، والوقوف مع الشعب السوري لتحقيق الاستقرار والازدهار والأمن، خلال اتصال هاتفي مع المبعوث الأممي الخاص، غير بيدرسون، أمس.
واستعراض الجانبان الجهود الإقليمية والدولية الرامية لوحدة وسيادة وأمن سورية، إضافة إلى مناقشة آخر تطورات الأوضاع في المنطقة، وسبل تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين.
وتزامن ذلك مع إعادة تشغيل قطر لسفارتها في دمشق ورفع علمها فوق المبنى الدبلوماسي الذي أغلق عقب قطع العلاقات بين الدوحة وحكومة الأسد عام 2012.
تراجع إيراني
وفي وقت لم تتضح ملامح النظام الذي يتشكل بدمشق ومدى موالاته للغرب وتركيا الداعم الرئيسي للفصائل السورية المسلحة التي أطاحت بالأسد، أقر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بخروج سورية من «محور المقاومة» الذي تقوده طهران ويضم فصائل وجماعات مسلحة إقليمية في مقدمتها «حزب الله» اللبناني و«أنصار الله» الحوثية وفصائل فلسطينية وعراقية.
وقال عراقجي، في تصريحات أمس، إن ما شهدته سورية يأتي «ضمن مخطط أميركي - إسرائيلي للقضاء على أي مقاومة في المنطقة»، معتبرا أن «انتشار الفوضى في سورية بمنزلة تهديد للدولة ولجيرانها وللمنطقة كلها».
وأعرب عن قلق بلده من تحول سورية إلى دولة تعمها الفوضى. وتابع: «أحداث سورية تأتي في إطار مشروع ضخم تخطط له أميركا وإسرائيل، ومخطئ من يرى عكس ذلك».
وأوضح عراقجي أن طهران قدمت نصائحها للرئيس السوري المخلوع كثيراً، «إلا أنه رفض الاستماع لنا، وأنذرناه بتحركات المعارضة في إدلب» في إشارة إلى نقطة انطلاق الفصائل المسلحة التي زحفت من شمال سورية، أواخر نوفمبر الماضي، وسيطرت على دمشق بهجوم خاطف لم يستغرق سوى 11 يوماً. وأكد أنه حين التقى الأسد نصحه برفع معنويات جيشه، وقال له «معنويات الجيش في الحضيض، عليك العمل على رفعها».
ويعد تصريح عراقجي أبرز إقرار إيراني بخسارة سورية التي تمثل حلقة مركزية تربط «محور المقاومة»، إذ تمثل الأراضي السورية شرياناً حيوياً لنقل الإمدادات والأسلحة والمقاتلين بين إيران ولبنان عبر العراق.
في موازاة ذلك، ادعى السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، أن الولايات المتحدة اشترطت على ممثلين للجولاني عدم إعطاء أي دور لطهران من أجل إقامة علاقات جيدة مع واشنطن.
وأضاف أماني عبر منصة إكس إن الأميركيين «أصروا على مثل هذه النصيحة لجماعة الإخوان المسلمين بين عامي 2011 و2013، وقدموا الشرط نفسه للرئيس للراحل محمد مرسي، وعندما وجدوا مرسي وحيداً، كان الوقت قد حان للخيانة الأميركية. وحدث ما حدث، وحصل ما حصل».
في السياق، أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، بمقتل أحد موظفي سفارة طهران لدى دمشق، برصاص إرهابيين داخل سيارته، مشيراً إلى أن طهران تتابع الأمر من خلال القنوات الدبلوماسية والدولية بجدية.
وأشار إلى «اكتشاف جثمان الموظف والتعرف عليه، ونقله إلى البلاد في الأيام الأخيرة»، مُحملاً الحكومة السورية الانتقالية المسؤولية في تحديد ومحاكمة ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة.
وذكرت منصات مقربة من «الحرس الثوري» أن الموظف المقتول هو داود بيطرف، وهو «إمام صلاة الجمعة في مرقد السيدة رقية بنت الحسين في دمشق، وأستاذ الحوزة الشيعية في سورية».
تسويات وملاحقة
من جانب آخر، أعلنت «القيادة العامة» الجديدة تكليف أسعد الشيباني بحقيبة وزارة الخارجية في حكومة محمد البشير المؤقتة. كما عيّن قائد «الجبهة الشامية»، عزام غريب، المعروف بلقب «أبو العز سراقب» محافظاً لحلب.
وفي محاولة لاحتواء الجدل الذي تسببت به تصريحات عبيدة أرناؤوط، مساعد الشرع، بشأن محدودية عمل النساء، ذكرت القيادة السورية الجديدة أنها خصصت مكتبا لشؤون المرأة يعنى بالمجال الحقوقي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمرأة السورية.
ويأتي هذا وسط مخاوف من استغلال الظروف الحالية للتأسيس لسيطرة شاملة ومستدامة على البلاد، الأمر الذي حاول الشرع نفيه عبر التأكيد أن ما يجري مجرد خطوة آنية، معلناً عقد «مؤتمر وطني» خلال الأيام المقبلة.
من جهة ثانية، شهدت المراكز التي فتحتها إدارة العمليات العسكرية لتسوية أوضاع عناصر النظام السابق من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية في العاصمة دمشق، إقبالاً كبيراً بعد ساعات من بدء عملها، فيما أطلقت السلطات الجديدة حملة أمنية واسعة النطاق في مدن وبلدات الساحل، بهدف ملاحقة فلول قوات الأسد، مؤكدة أن هناك مجموعات لا تزال متحصنة بالجبال ولم تسلّم سلاحها.
في موازاة ذلك، أفاد الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) بإتلاف عدد من القنابل العنقودية المنتشرة في عموم البلاد.
على صعيد آخر، وقعت اشتباكات عنيفة بين قوات سورية الديمقراطية المعروفة بـ «قسد» وفصائل سورية مدعومة من أنقرة بالقرب من بلدة عين عيسى شمال الرقة، غداة تأكيد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لنظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، أنه يتعين على الجماعات المسلّحة الكردية، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، إلقاء أسلحتها وإعلان حلها.
وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية زيادة عدد قواتها في قاعدة التنف السورية، حيث ارتفع العدد من 900 جندي إلى 2000، في خطوة تهدف لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة بعد سقوط الأسد.