وجهة نظر: بين التنمية والهدر شعرة معاوية!

نشر في 20-12-2024
آخر تحديث 19-12-2024 | 18:58
 د. طارق عبد المحسن الدويسان

في عالم المشاريع التنموية، قد تبدو الفجوة بين التنمية والهدر ضيقة إلى حد قد يغفل البعض عنها، ما يؤدي إلى هدر الموارد دون تحقيق الفائدة المرجوة. يختلط علينا أحياناً تصنيف المشاريع الكبرى على أنها جزء من التنمية، دون تمحيص أو اعتبار حقيقي لمفهوم الكفاءة الاقتصادية، وهنا تقع المسؤولية الكبرى على واضعي السياسات والمخططين لضمان أن هذه المشاريع، مهما كانت ضخمة ومُبهرة، تندرج فعلياً ضمن إطار تحقيق رؤية الكويت 2035، وأنها تُحدث فرقاً ملموساً في النمو والتنمية الشاملة والمستدامة.

وتتطلب التنمية الحقيقية النظر بعمق في كل مشروع من منظور الكفاءة الاقتصادية، بحيث يُقاس نجاح المشروع ليس فقط بحجمه أو تكلفته، بل بما يقدمه من فرص عمل حقيقية يقبلها المواطن الكويتي، ومدى مساهمته في رفع الناتج المحلي الإجمالي. إن المشاريع التنموية هي التي تخلق فرصاً للشباب، وتساهم في تطوير مهاراتهم، وتعزز الاقتصاد الوطني، وتمثل ركيزة حقيقية لدفع عجلة التنمية، وليس المشاريع التي تتجمل بالواجهات دون أثر مستدام.

وهذا التحليل الدقيق يتطلب دراسات اجتماعية واقتصادية (socioeconomic studies) متأنية لكل مشروع، تدرس أبعاده وتأثيره على الاقتصاد والمجتمع في المدى القريب والبعيد. يجب أن تتناول هذه الدراسات تحديد الأهداف، والموارد، وكيفية قياس العائد على الاستثمار بشكل واضح ومحدد، بما في ذلك زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الوظائف - خاصة الوطنية - التي يضيفها المشروع بشكل مباشر وغير مباشر ومُحفّز. إن الاستثمارات التي تفتقد هذه الرؤية، غالباً ما تكون عبئاً على الدولة وتهدر طاقات مواردها بلا جدوى.

عند الحديث عن المشاريع الكبرى في الكويت، يعد جسر الشيخ جابر الأحمد مثالاً بارزاً. هذا الجسر، الذي يعتبر من أطول الجسور في العالم، يربط العاصمة بمناطق الصبية، ويهدف إلى تعزيز التواصل والتطوير العمراني. ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى تحقيق هذا المشروع لأهدافه الاقتصادية. هل ساهم الجسر في تحسين الحركة التجارية وتطوير المناطق المحيطة؟ وهل تجاوزت الفوائد الاقتصادية التكلفة الهائلة التي استلزمتها عملية الإنشاء؟

من جهة أخرى، يثار التساؤل حول مشروع جامعة الكويت في منطقة الشدادية، الذي شهد استثمارات ضخمة لإنشاء مرافق وبنى تحتية حديثة ومبان فخمة ذات واجهات مزخرفة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في ضمان أن تسهم هذه المنشآت في تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات سوق العمل المتنامية. هل سيؤدي هذا المشروع إلى ارتقاء في تصنيف الجامعة وتحقيق الأهداف التعليمية المرجوة، إضافةً إلى إعداد جيل من الخريجين القادرين على المنافسة في سوق العمل؟

إذن، بين التنمية والهدر شعرة معاوية! فالفهم السليم للكفاءة الاقتصادية يعيد رسم الأولويات ويضع الحدود الفاصلة بين ما هو بناء وتنموي وما هو مجرد استنزاف للموارد. لذلك، ولكي نضمن مستقبلاً مشرقاً يتوافق مع طموحاتنا الوطنية، علينا أن نفكر بشكل استراتيجي ونخطط بعقلانية، بحيث تثمر كل مبادرة في نمو حقيقي ومستدام يخدم أجيال الكويت القادمة.

back to top